مخالفة المذهب الفقهي المستقر في بلد معين.. المفتى يوضح الحكم الشرعى

الأحد، 11 سبتمبر 2022 02:25 م
مخالفة المذهب الفقهي المستقر في بلد معين.. المفتى يوضح الحكم الشرعى
منال القاضي

أجاب الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، عن سؤال جاء فيه: "ما حكم مخالفة المذهب الفقهي المُسْتَقِرّ في بلدٍ مُعيَّن أو في مكانٍ مُعَيَّن.. خاصة إذا كان هذا بإلزامٍ من ولي الأمر؟".

وأجاب الدكتور شوقى علام، أن اجتماع أهل بلد على مذهبٍ مُعَيَّن فيه الحفاظ على وحدتهم الثقافية، والوقاية من التفرّق، والحدّ من التنازع، وهي مقاصدُ تُقام عليها الدول وتُصانُ بها مقدراتها، ويؤدي إلى استقرار الحقوق وانضباط المعاملات؛ خاصة في الأحكام الخلافية التي يترتب عليها ثبوتُ بعض الحقوق في قول وعدمُها في قول آخر، ولو ترك للناس أنْ يحكم كلٌّ منهم بما يراه، وأن يَتَخَيَّر ما يشتهي من الأقوال؛ لأدَّى ذلك إلى الاضطراب في كثير من الأحيان.

وتابع: والالتزام بالمذهب الذي ألزمَ به الحاكم المواطنين في إقامة الشعائر الدينية ومزاولة التعاملات الدنيوية في المجتمع هو من الأدب الواجب؛ وذلك ضبطًا للنظام العام، وتوحيدًا للمرجعية، واستقرارًا للحقوق، وجمعًا للكلمة، فدار الإفتاء المصرية تفرق بين ما هو متعلق بالشأن العام ونظام الدول، وبين ما يقع فيه بعض الأفراد من الحاجة الداعية إلى الأخذ بالأيسر أو تقليد مَن يصحّح لهم أفعالهم، فيجوز لهم العمل بذلك، وتُحْمَل تصرفاتهم حينئذٍ على ما صحَّ من مذاهب المجتهدين ممَّن يقول بالحِلِّ والصحة؛ تيسيرًا عليهم ورفعًا للحرج عنهم؛ فإنَّ فقهاء المذاهب قد يتركون مذاهبهم في مسائل معينة ويعملون -في أنفسهم وفي الإفتاء لغيرهم- بالأقوال التي يرون أنها أكثر تحقيقًا لمقصود الحق، وأكثر مراعاة لمصالح الخلق.

وأوضح المفتى أن المذاهب الفقهية الإسلامية، مدارس علمية متعددة متكاملة، اجتهدت في فهم النصوص الشرعية وفق المقاصد المرعيَّة تحت سقف الإجماع واللغة، وهذه المذاهب هي أعظمُ مظهرٍ من مظاهر الرُّقِيِّ في الحضارة الإسلامية التي قامت على خدمة النصِّ الشرعيّ؛ نقلًا، وإسنادًا، وتوثيقًا، وتدوينًا، وكتابةً، وفهمًا، وتوظيفًا، وتطبيقًا؛ فكان النَّص في هذه الحضارة، بل ورد العلماء أنهم عملوا بقول مَن خالفَهم في المذهب ولو لم يعاصِرُوه في زمنه؛ تأدبًا معه حيًّا وميتًا؛ كما فعل الإمام الشافعي رضي الله عنه عندما ترك قنوت الفجر لمَّا صلَّى عند قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. وإذا كان العمل بقول المخالف في المذهب لمجردِ المجاورة في الصلاة من الأدب، فإنَّ الالتزامَ بالمذهب الذي ألزم به الحاكم المواطنين في إقامة الشعائر الدينية ومزاولة التعاملات الدنيوية في المجتمع هو من الأدب الواجب.

وأشار إلى أنه كما جعل الشرع للحاكم تقييدَ المباح؛ بحيث لا تسوغ مخالفته فيما ألزم به من آراء مُخْتَلَفٌ فيها، فكذلك إذا ألزم بمذهب مُعَيَّن لا يسوغ الإفتاء أو القضاء بخلافه؛ ضبطًا للنظام العام، وجمعًا للكلمة؛ فقد نص الفقهاء على أنَّ قضاء القاضي بخلاف ما اشترطه عليه ولي الأمر في توليته؛ لفظًا أو عرفًا لا يصحّ؛ لأنَّ التولية حينئذٍ لا تشمله؛ كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 104-105، ط. دار الكتب العلمية).

وتابع: ونقل الإمام القرطبي في "أحكام القرآن"عن الإمام سهل بن عبد الله التُّستَري رحمه الله تعالى أنه قال: [أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد] اهـ. فإلزامه بمذهب معين إفتاءً أو قضاءً هو من جملة الأحكام.

وتنبه دار الإفتاء المصرية على أنَّ اتِّباع مذهبٍ بعينه لا يجوز أن يكون مبعثًا على التعصب في مجال الفتوى والعمل؛ فإنَّ فقهاء المذاهب وأئمتها كانوا ربما تركوا مذاهبهم في مسائل معينة وعملوا -في أنفسهم وفي الإفتاء لغيرهم- بالأقوال التي كانوا يرون أنها أكثر تحقيقًا لمقصود الشريعة، وأكثر مراعاة لمصالح الناس، وإنما فعلوا ذلك لأنَّ هناك فارقًا بين التعلُّم والإفتاء؛ ولذلك راعى العلماء المسائل الخلافية بين المذاهب من جهات متعددة؛ فأداروا الأقوال الخلافية بين الرُّخص والعزائم، وأجازوا العمل بقول مَن أباح تخلصًا من الإثم، ونَصُّوا على مشروعية طلب الأيسر والفتوى به، وجعلوا من قواعدهم الإمساكَ عن الإنكار على المخالف وحرَّموا تفسيقه، ونَصُّوا على وجوب تصحيح تصرفات المكلفين وحملها على الصحة ما دام أنَّ لها وجهًا صحيحًا في مذهب مُعْتَبَرٍ، ونَصُّوا أيضًا على أنَّ للمفتي أن يحيل المستفتيَ إلى مفتٍ غيره ما دام يرى أنَّ مذهب المحال عليه أنفع له أو أيسر عليه.

كما أنَّ هناك فارقًا بين تحرير المعتمد في منقول المذاهب وتحديد ما عليه العمل والفتوى التي تعتمد على تَغَيّر الأعراف والأحوال والزمان والمكان، وتستند إلى القواعد الفقهية التي تُنَظِّم التعامل مع الأقوال المختلفة؛ كقاعدة: "لا يُنكَر المختلف فيه، وإنما ينكر المتفق عليه".

ولذلك: فمع ضرورة الالتزام بما تقيَّدت بها بلدٌ معينٌ باتباع مذهب واحدٍ من المذاهب الفقهية المعتمدة؛ لما فيه من اتباع الحاكم فيما ألزم به من الآراء المختلف فيها؛ ضبطًا للنظام العام، وتوحيدًا للمرجعية، واستقرارًا للحقوق، وجمعًا للكلمة، فإنَّ دار الإفتاء المصرية تُفَرِّق بين ما هو متعلق الشأن العام ونظام الدول، وبين ما يقع فيه بعض الأفراد من الحاجة الداعية إلى الأخذ بالأيسر أو تقليد مَن يُصَحِّح لهم أفعالهم، فيجوز لهم العمل بذلك، وتُحْمَل تصرفاتهم حينئذٍ على ما صحَّ من مذاهب المجتهدين ممَّن يقول بالحِلِّ والصحة؛ تيسيرًا عليهم ورفعًا للحرج عنهم. فيُرَاعى الفرق بين الشأن العام وما يطبق على مستوى الدولة والمجتمع، وبين ما يمكن استثناؤه على مستـوى الأفراد.

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق