مصطفى الجمل يكتب: ماذا نحتاج لتحفيز جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة؟
السبت، 10 سبتمبر 2022 10:00 م
- عرض فرص استثمارية حقيقية بقطاعات متنوعة
- توفير عمالة مهنية مدربة وموارد محلية
- تعظيم دور القطاع الخاص وسهولة عملية دمج الشراكات
- توفير عمالة مهنية مدربة وموارد محلية
- تعظيم دور القطاع الخاص وسهولة عملية دمج الشراكات
لا حاجة للتعريف بأن مصر تواجه على المستوى الاقتصادي فترة استثنائية مفروضة على العالم أجمع، نظراً لما فرضته جائحة كورونا واضطراب سلاسل الإمداد والحرب الروسية – الأوكرانية.
وعلى الرغم من كل التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري إلا أن مصر لم تشهد ارتفاعا حادا في الأسعار مثل بريطانيا، فالأوروبيون لم يستطيعوا إدارة الأزمة الحالية بشكل جيد، والقارة العجوز لا تستطيع أن تعيش بدون الغاز الروسي.
يعتمد الاقتصاد المصري على ركائز رئيسية، أهمها جذب استثمار أجنبي مباشر، الذي يساهم في تحسين الظروف البيئية والاجتماعية، وفي مصر قبل تداعيات جائحة كورونا بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر 2019 حوالي 9 مليار دولار، محققا أعلى مستوى للتدفقات منذ 2010 بنسبة 11%، وفي نفس العام استحوذت مصر على نسبة 12% من تدفق الاستثمار الأجنبي لمنطق أفريقيا والشرق الأوسط، واحتلت المركز الخامس عشر عالمياً من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
ومن العلامات المهمة للاستثمارات الأجنبية التي كانت تدخل مصر قبل الأزمة الاقتصادية العالمية، هو انخفاض التنوع القطاعي، فتنصب معظم الاستثمارات على قطاع البترول بنسبة تتخطى الـ60% من إجمالي الاستثمارات الواردة، وتمثل دول الاتحاد الأوروبي أكثر من نصف مصادر الاستثمار الأجنبي لمصر، بنسبة 53% ويأتي بعدها الدول العربية بنسبة 22% وبعدها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 13%.
ولتحفيز جذب استثمارات أجنبية لمصر، يجب الوقوف أولا على محددات البيئة المواتية لحفز الاستثمار الأجنبي، والتي تتمثل في الربحية المتوقعة للمشروعات، وسهولة دمج عمليات الشراكات، والجودة الشاملة للبيئة الاستثمارية في مصر، فضلاً عن توفير الموارد المحلية.
ويأتي الاستقرار السياسي والاقتصادي والبيئة القانونية والتنظيمية في مرتبة أعلى وأهم للمستثمرين الأجانب من حوافز أخرى كالضرائب المنخفضة والعمالة قليلة التكلفة، والوصول إلى الموارد الطبيعية.
ومن ثم يمكن ترتيب أولويات المستثمر، بوضع الشفافية على قمة الهرم ومن بعدها الحماية القانونية للمستثمرين ووصولهم إلى آليات محددة للتظلم وفض النزاعات المتوقعة، والقدرة التنافسية الاستثمارية، والحوكمة الرشيدة، والاستقرار السياسي والاقتصادي، والضرائب المنخفضة، والعمالة المهنية المدربة متوسطة التكلفة.
ولجذب الاستثمارات الأجنبية يجب توافر عدد من العوامل، أهمها وجود الطلب الاقتصادي على المنتجات، ومعروف عن السوق المصري أنه مستهلك بشكل كبير فهناك ما لا يقل عن 100 مليون مستهلك، فضلاً عن توفر عوامل الإنتاج والمواد الخام، فمصر تمتلك موارد طبيعية ومناخية وبشرية ضخمة.
ويجب أن يكون هناك توفر لعمالة مؤهلة على مستوى عال، وبنية أساسية مواتية للاستثمار، وهذه نقطة تحسب للدولة المصرية التي استثمرت في الفترة من 2014 حتى 2019 ما يقرب من 4 تريليون جنيه مصري، في مشروعات عملاقة لتحديث البنية الأساسية من شبكات الطرق والكباري.
وتقدمت مصر ستة مراكز في تقرير ممارسة الأعمال، والذي يرصد الإجراءات الإصلاحية، بعد أن نفذت الحكومة المصرية العديد من الإصلاحات لتحسين مناخ الاستثمار وتحسين الإجراءات المقدمة للمستثمرين في مراكز الخدمة على مستوى الجمهورية، كما تقدمت مصر 19 مركزاً في مؤشر تأسيس الشركات الذي يراقب والوقت اللازم للتأسيس، وهنا لا بد من تسليط الضوء على دور سوق المال الأولية والثانوية في جذب الاستثمار الأجنبي غير المباشر، والذي يعد خطوة على طريق توطين الاستثمارات الوافدة، وزيادة حصص الشريك الأجنبي في المشروعات القائمة ومشروعات الخصخصة، علماً بأن سوق المال المصرية تعاني من أزمات تنظيفية ورقابية وضعف غير مسبوق في أداء كافة المؤشرات.
وفي هذا السياق لا يمكن إغفال دور سوق المال الأولية والثانوية في جذب الاستثمار الأجنبي غير المباشر والذي يعد خطوة على طريق توطين الاستثمارات الوافدة، وزيادة حصص الشريك الأجنبي في المشروعات القائمة والمتخصصة.
ويجب على الحكومة المصرية تبني خطة زمنية لتقدم تصنيف مصر في تقارير ممارسة الأعمال والتنافسية بواقع من 5 إلى 20 مركزاً سنوياً ولمدة 3 أعوام، وذلك في المؤشر العام والمؤشرات الفرعية الأكثر تدهوراً، مع تشكيل مجموعة عمل من مختلف الوزارات المعنية لمتابعة الخطة وتقييمها، ومراحل الإنجاز خلالها، والعمل على استكمال حوكمة أداء الوزارات والهيئات بما يتناسب مع متطلبات الإصلاح الشامل، واستحداث خارطة استثمارية إلكترونية تفاعلية تسمح باستعراض الفرص الاستثمارية في مختلف المحافظات، شاملة الموارد الطبيعية، وظروف العمل، ومتوسط الدخول وظروف المناخ، وتوافر البنية الأساسية والمرافق وتكلفتها، والفترة الزمنية اللازمة لإقامة وتشغيل المشروع، وإصدار وثيقة تأمين حومية لضمان تأسيس وتشغيل المشروع بحيث لا تتجاوز مدى زمني معين يتم تحديده مسبقاً للمستثمر وفقاً لطبيعة كل مشروع، مع الإفصاح الكامل والدقيق عن كافة الإجراءات والمصروفات اللازمة لإقامة وتشغيل المشروع، والسماح لإنشاء شركات خاصة للوساطة في التعامل مع الجهات الحكومية بالإنابة عن المستثمر مع حوكمة تلك الشركات والرقابة الصارمة على التكاليف التي تفرضها على المستثمر، والحد من التعديلات التشريعية والرقابية التي تفرضها الجهات المنظمة للأسواق، مثل الهيئة العامة للرقابة المالية.
ولوضع استراتيجية للترويج لمصر كواجهة استثمارية يجب تذليل كافة العقبات الإدارية والتنظيمية أمام المستثمر الأجنبي، وتفعيل آلية الشباك الواحد عند التأسيس وحتى بدء تشغيل المشروع، بما في ذلك إجراء إصدار التراخيص والموافقات والتعامل الضريبي وتخصيص الأراضي والترفيق.
وكذلك قيام هيئة الاستثمار بتقديم خدمات مجانية شاملة للمستثمر بتقديم خدمات مجانية شاملة للمستثمر بدءا بمساعدته في الحصول على الفرص الاستثمارية المناسبة، مروراً باستعراض بدائل التمويل، وحتى التأكد من إطلاق المشروع وبدء الإنتاج.
ويجب أيضاً تطوير بوابة إلكترونية للاستثمار في مصر وتؤول إدارتها للهيئة العامة للاستثمار، وفقاً لمؤشرات أداء حاسمة تراعي سرعة الرد على الشكاوى والاستفسارات وعدد المشروعات التي تبدأ في التشغيل بعد التأسيس، والفترة الزمنية يستغرقها المشروع منذ تأسيسه حتى بدء الإنتاج، وأخيراً إنشاء قاعدة بيانات ومعلومات عن كافة قطاعات الدولة، بما في ذلك الإجراءات والاتفاقيات التي تبرمها الدولة وتحديثها وإتاحتها للمواطنين بشكل مستمر.
ومن الأمور التي تحفز اجتذاب الاستثمار الأجنبي أيضاً تعظيم دور القطاع الخاص في التنمية، وهو انتبهت له الحكومة المصرية بإصدارها وثيقة سياسة ملكية الدولة، التي تعد خريطة طريق للقطاع الخاص توضح أي القطاعات متاحة أمامه للاستثمار فيها بحرية منفرداً عن دون تدخل من الدولة، وأيها سيمارس الاستثمار فيها إلى جانب الدولة مع تقليص دور الدولة تدريجيا، كما أن قطاعات أخرى ستسمر الدولة في التواجد فيها بقوة، كونها قطعات استراتيجية أو مطلوبة لأهداف اجتماعية.
يجدر الإشارة إلى المحفزات الرئيسية التي ينبغي توفرها حتى يمكن تنشيط القطاع الخاص، ومنها توفير الثقة المتبادلة بين الدولة والشريك الخاص، وتوفير الأيدي العاملة المدربة التي تمتلك المهارات الأولية للقيام بأعباء العمل، وتدخل الدولة لتنشيط سوق الأوراق المالية كوسيلة لتوسيع قاعدة الملكية وتوفير التمويل للقطاع، وذلك عن مزيد من الطروحات الخاصة.