لقاء العلمين الأخوي.. العمل العربي المشترك ضمان رئيسي لحمايه الأمن القومي العربي
السبت، 27 أغسطس 2022 07:00 ميوسف أيوب
- القيادة المصرية تدفع باتجاه تقوية الترابط العربي والارتقاء بالشراكة الاستراتيجية للتصدى ومواجهة المشاكل الدولية
الإثنين الماضى استضافت مدينة العلمين الجديدة "لقاء أخوي خاص"، دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى، وحضره الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الامارات، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ملك الأردن، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي، وهو اللقاء الذى "شهد تبادل وجهات النظر بين الزعماء بشأن تعزيز مختلف جوانب العلاقات الثنائية والاستغلال الأمثل لجميع المجالات المتاحة لتعزيز التعاون بينهم"، حيث بدأه الرئيس السيسى بالإعراب عن التقدير والمودة التي تكنها مصر قيادةً وشعباً للأواصر التاريخية الوثيقة التي تجمعها بأشقائها من الدول العربية.
واستبق هذا اللقاء الأخوى، لقاء بين الرئيس السيسى والشيخ محمد بن زايد "تناول تبادل الرؤى ووجهات النظر تجاه القضايا الدولية والأمن الاقليمى والأوضاع الراهنة بالمنطقة العربية، حيث تم التأكيد على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك ووحدة الصف العربي في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة العربية، ومن اجل توحيد جميع الجهود الرامية إلى التوصل إلى حلول دائمة للأزمات في دول المنطقة تسهم في إرساء دعائم الأمن والاستقرار فيها وتحقيق الاستقرار والسلام لشعوبها".
كما بحث اللقاء بين الرئيس السيسى والشيخ محمد بن زايد "مسارات التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين والفرص العديدة الواعدة لتوسيع آفاقه إلى مستويات أرحب، تعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين خاصة في المجالات الاقتصادية والتنموية التي تدعم تطلعاتهما نحو تحقيق التنمية المستدامة والتقدم والازدهار لشعبيهما الشقيقين".
وفى اليوم التالى "الثلاثاء" استقبل الرئيس السيسي في قصر الرئاسة بمدينة العلمين الجديدة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والملك عبد الله الثاني بن الحسين، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وقال السفير بسام راضى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن "لقاء العلمين الخاص تناول العلاقات الأخوية ومختلف جوانب التعاون المشترك، حيث جدد القادة دعمهم للجهود والمساعي التى تهدف الى ترسيخ الامن، والسلام، والاستقرار، والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة والذي يرتكز على دعائم الثقة والاحترام المتبادل بما يحقق تطلعات جميع شعوب المنطقة في التقدم والبناء والتنمية، كما استعرض القادة خلال لقائهم الأخوي عدداً من القضايا والتطورات الإقليمية والدولية وتبادلوا وجهات النظر والرؤى بشأنها".
بالنظر إلى اللقاءات التي شهدتها العلمين، وهى في الأساس "أخوية خاصة"، لكنها تعيد التأكيد على الجهود والتحركات المصرية المستمرة الهادفة إلى إحياء العمل العربي المشترك، وهو الهدف الذى يضعه أمامه دوماً الرئيس السيسى، الذى يؤمن بأن العمل العربي المشترك هو الضمان الرئيسى لحمايه الأمن القومي العربي، لذلك فلا خيار متاح أمام الدول العربية سوي استمرار كل الجهود والتحركات التي تدعم هذا الهدف، خاصة وأن الأمن القومى العربى يواجه الكثير من التحديات التي تتصاعد يوماً تلو الأخر، فقد بدأت منذ 2011 بتوترات أمنية وسياسية في دول عربية شقيقة مثل سوريا وليبيا واليمن ولبنان، واليوم توسعت هذه التحديات ارتباطا بالظروف الدولية والإقليمية شديدة التعقيد التي فرضت على العالم بأكمله تغيير أجندته وأولوياته، فالمنطقة العربية تعيش اليوم وسط اضطراب دولى، ما يستدعى رؤية عربية تكاملية وواعية تتبناها البلدان الرئيسية بحكمة قياداتها، وتسير نحو شراكة استراتيجية لتعزيز الصناعات وتوطينها بشكل تكاملي لتحقيق التنمية المستدامة، وبالتالي فمن الواجب على الدول العربية أن تبدأ بطرح أجندة جديدة تتوافق مع التغيرات الدولية الطارئة، في محاولة لامتصاص التأثيرات السلبية لهذه التغيرات وصدماتها المتوقعة، كما هو الحال بالأزمة الروسية الأوكرانية، وليس بعيداً عنها أيضاً المفاوضات الجارية حالياً حول الملف النووي الإيراني، الذى يتطلب أن يكون لدى القائمين عليه تحديداً الدول الغربية، إدراكاً للمشاغل العربية تجاه هذا الملف تحديداً.
كل ذلك يقودناً إلى أهمية الحديث عن إحياء العمل العربي المشترك، والذى وضعت له القيادة المصرية مجموعة من المحاور، تسعى من خلالها إلى تقوية الاواصر والترابط العربى، سواء من خلال اللقاءات الثنائية، أو الآليات متسعة العضوية، كما هو الحال في ألية التنسيق المصرى العراقى الأردني، أو غيرها من اللقاءات متعددة المشاركة، كالتى شهدتها العلمين الأسبوع الماضى.
واللافت في لقاء العلمين الأخوى الخاص، أنه جاء في إطار الارتقاء بمستوى الشراكة الاستراتيجية بين البلدان الخمسة، وهنا يجب الإشارة إلى أن المشاركين في لقاء العلمين تربطهم علاقات قوية سواء علي المستوي الثنائي أو المستوي الجماعي، فعلي سبيل المثال هناك علاقات قوية تربط بين مصر والأردن والعراق وتم عقد العديد من القمم الثلاثية خلال الفترة السابقة كما أن العلاقات الثنائية بين مصر وكل من الامارات والبحرين علاقات مميزة وتتطور بشكل متواصل، وسبق أن أسست مصر والأردن والعراق، آلية الشراكة الصناعية التكاملية للتنمية الاقتصادية المستدامة لتنضم الإمارات والبحرين لهذا المنتدى العربي المهم، الذي يسعى إلى توطين الصناعات وتحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز الاستثمارات بين الدول المرشحة لإطلاق أفق جديد للعمل العربي المشترك ولتشكل نقطة جذب لباقي أقطارنا العربية، وكذلك الاستفادة من مجالات التكامل والمزايا التنافسية والإمكانات الفريدة لدى كل من الدول المشاركة، لتكون هذه الخطوة نواة لشراكة أكبر تسهم فى بناء قاعدة اقتصادية مستدامة.
ولا يخفى على أحد أن القاهرة تؤمن بأن تحقيق التكامل الاقتصادى بين الدول العربية، يمثل مدخل مهم لتنسيق السياسات الخارجية، بما يعود بالنفع علي شعوب الدول ويساعد في نفس الوقت علي تحقيق مزيد من التطور والتنمية وفتح أفق أوسع للاستثمارات المتبادلة، ومن هنا جاءت فكرة آليات التنسيق العربية التي مستقبلاً يمكن أن تتحول إلى تحالفات استراتيجية قوية، تتمدد في المنطقة لتشمل أكبر عدد من الدول العربية، أخذا في الاعتبار أن مثل هذه التحالفات تعد أحد المتطلبات الضرورية في ظل التحديات الغير مسبوقة التي يشهدها العالم حاليا، وتكاد تعصف بالثوابت السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبما يتطلب أهمية مواجهتها.
ومن واقع متابعة التحركات المصرية الإيجابية، يمكن القول أن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من هذه اللقاءات الهامة كالتى عقدت في العلمين، سواء على المستوى الثنائى أو الجماعى، لإنها تستهدف بلورة الأسس اللازمة لصياغة رؤية عربية متكاملة تحقق استقرار المنطقة العربية، والتوصل إلى نتائج ايجابية لصالح دعم الموقف العربي الموحد ليكون قادرا علي التصدي للمخاطر التى تتزايد يوماً بعد يوم.
ولعلنا نتذكر اللقاءات التي استضافتها القاهرة، والزيارات التي قام بها الرئيس السيسى قبيل انعقاد قمة جدة التى شهدت مشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجى، والرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس السيسى والعاهل الأردني ورئيس الوزراء العراقى، فقد استطاعت القيادة المصرية من خلال التحركات السابقة لقمة جدة أن تؤمن مواقف عربية واضحة تم التأكيد عليها للرئيس والإدارة الأمريكية، مواقف مرتبطة كلها بالرؤية العربية تجاه الأحداث الدولية والأقليمية، وهو ما كان له شديد الأثر في غلبة النظرة العربية على قمة جدة، وهو تحول ربما يحدث للمرة الأولى في تاريخ العلاقات العربية الأمريكية، التي كانت في الماضى تسير بمنطق التبعية العربية للرغبة الأمريكية، لكن اليوم الوضع تحول، وأصبحت هناك رغبة وإرادة ورؤية عربية لابد أن يكون لها اعتبار عند صانع القرار الأمريكي، ولم يكن ذلك ليحدث لولا أن الدول العربية الرئيسية استطاعت أن تحقق لنفسها القدرة الذاتية على الإدارة ومواجهة الأزمات بحلول داخلية، دون الارتكان إلى المساعدات الخارجية، وزاد على ذلك خطوط التواصل والتفاهم العربية المفتوحة على مدار الساعة، وهو ما نتج عنه رؤى موحدة ومواقف واضحة من الدول العربية، فلم نرى نشاذا وانما تناغماً بين العرب.
والحق أن هذا يعود إلى التحركات المصرية الإيجابية، والرؤية التي يتبناها الرئيس السيسى التي أستطاع من خلالها أولاً تأكيد السيادة المصرية في قراراتها، ثم القدرة العربية على العمل والمواجهة، من خلال التنسيق والتفاهم المشترك، وهو الأمر الذى يحظى بتقدير من القادة والزعماء العرب، الذين باتوا أكثر ثقة في الرؤية والحكمة والقيادة المصرية.