طلال رسلان يكتب: بأمر 30 يونيو «خريطة جديدة للشرق الأوسط»

السبت، 02 يوليو 2022 06:28 م
طلال رسلان يكتب: بأمر 30 يونيو «خريطة جديدة للشرق الأوسط»
طلال رسلان

الثورة المصرية كشفت مشروع الإرهاب الإخواني أمام الشعوب فهبت على خطى مصر للخلاص من مشروع الجماعة

زلزال 30 يونيو نسف ما تبقى للجماعة الإرهابية في السودان وتونس والجزائر والمغرب وظهرت ملامحه في سقوط مشروع الإخوان الاحتلالي في ليبيا

أعادت ثورة 30 يونيو رسم خريطة الشرق الأوسط، بعد سقوط حكم الإخوان في مصر، العمود الفقري للجماعة في المنطقة والعالم، وبالتالي انفرط عقد ورثة حسن البنا في الدول التي تسيطر فيها الجماعة على المؤسسات ومقاليد الحكم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

يمكن القول بأن ثورة 30 يونيو أعادت كتابة التاريخ لمصر والمنطقة، بعد سقوط جماعة الإخوان، وهرب رموزها إلى الشتات بدول العالم، فثمار الثورة لم تقتصر على حدود مصر، بل امتدت إلى المنطقة كاملة، ورُفعت لأول مرة شعارات سقوط حكم الفاشية الدينية بالدول العربية بعد أحداث الربيع العربي.

كان لدلالة انقلاب الإخوان في العالم رأسا على عقب بعد سقوط رأس الجماعة في مصر، رسائل تشير إلى أن إخوان مصر هم العقل المدبر لجماعات الإسلام السياسي، والتطرف والعنف، حول العالم، وليست جماعة الإخوان في مصر فقط بأذرعها السياسية والإرهابية، فقد خرجت من تحت عباءة الجماعة حركات سياسية إسلامية، ومن ثم جماعات التطرف والإرهاب التي تدين بالولاء لفكر المؤسس، لذلك كان طبيعيا أن يثور الإخوان حول العالم في محاولة لإنقاذ ما تبقى من الجماعة في مصر، ومن غير تنظيمات الجماعة وأذرعها من مجموعات الإسلام السياسي المتطرفة سيتضامن مع إخوان مصر، الرأس المدبر والعمود الفقري للإخوان في العالم.

تونس.. ضربة قاضية للنهضة

بعد القبض على قيادات الجماعة في مصر، وهروب منهم من هرب، كان طبيعيا أن ينفطر عقد الإخوان حول العالم، مثلما حدث في تونس، بعدما خطى الشعب التونسي على نهج مصر وانتفض ضد حركة النهضة الذراع السياسية للإخوان في تونس، على إثر التورط في الفساد والفشل بإدارة البلاد، وتدمير تونس وتحويل حياة لجحيم لا يُطاق، انفجرت بعده ثورة الغضب في تونس أيضا، مع تراكم الفشل والحصاد الكارثي لسنوات من تسلط الإخوان وسياساتهم الكارثية.

في تونس، ثبت الإخوان عجزهم وفشلهم عن إدارة الدولة والحكم، من ناحية لسقوط العقل المدبر في مصر، ومن ناحية أخرى كون الجماعة تقول على أساس فلسفة الإقصاء والسيطرة، وفرض لون الإسلام السياسي على الشعوب، وتعميم سياسات ومنهجيات متطرفة غير متسقة، مع العصر ومع الديمقراطية والتعددية وقبول الآخر.

على غرار مصر، سرعان ما تواترت ردود الأفعال الإخوانية على انتفاضة الشعب في تونس، والتي تكللت بقرارات استثنائية لرئيس الجمهورية التونسي قيس سيعد، وفق صلاحياته الدستورية، بإقالة الحكومة وحل البرلمان، على خلفية سياسات حركة النهضة التونسية الرامية لفرض أجنداتها الظلامية، ومشروعاتها الفاشلة، ومن ثم توالت الأحداث لانكشاف مخطط الجماعة الإرهابي في البلاد، واعتماد مصدر دخولهم على تجارة العملة والمخدرات وتهريب السلاح، ثم سقطوا واحدا تلو الآخر بانكشاف المخطط الكامل لإغراق البلاد.

وكان لارتداد زلزال الإخوان في مصر ثم تونس بعدها، والذي أطاح بسلطة الإخوان الاستبدادية، مدلول إلى أن ثورة الشعوب ضد الفاشية الدينية ستكمل طريقها إلى مختلف الحركات الإخوانية في عموم المنطقة العربية، وخصوصا في بلدان الشرق العربي، بحيث ستسهم في إضعاف تلك الحركات الإرهابية أكثر مما هي ضعيفة، وتحول دون تمددها في الدول العربية، لفرض نموذج حكمها الأحادي، بدعم مكشوف ومنظم من أجندات أجنبية ولوبي دولي يريد السيطرة على موارد دول المنطقة العربية بالكامل، وجعلها تحت تصرفه.

سوريا.. الصراخ لن يجدي نفعا

لعل من أبرز الدول التي حاولت الإخوان وضع اليد عليها هي سوريا، وهو ما يفسر غضب قيادات تنظيم الإخوان في صوريا، وتضامنهم مع الإخوان في مصر، ثم التضامن مع راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس، كعادة اللغو الإخواني، عندما تحدثت تلك القيادات عن المؤامرة الدولية وما وصفوه بالانقلابات، في محاولة لتشويه ثورات الشعوب وغضبهم على حكم الفاشية الدينية وجماعات التطرف.

لكن يبدو أن صراخ إخوان سوريا لن يجدي الجماعة نفعا هذه المرة، بعد تسونامي غضب الشعوب على حكم جماعة الإخوان، وما جرى في مصر، والذي أثر دون أدنى شك على مستقبل الحركات الإخوانية في الشرق الأوسط والمنطقة، وتجارب حكم هذه التيارات في مصر وتونس والسودان وغيرها، أثبتت عجزها في إدارة الدولة والحكم، حيث الهوة الواسعة بين ما تتطلع له الشعوب العربية في تلك البلدان، وما مارسته سلطات التيارات الإخوانية".

ضربة قاصمة لإخوان ليبيا وموريتانيا والسودان

وتيرة متسارعة لسقوط الإخوان في جميع الأقطار على إثر زلزال ثورة 30 يونيو، ظهر جليا في موريتانيا بعد إقصاء المرشح الإخواني ونجاح الغزواني بالرئاسة المورتانية، ثم تبعته أحداث السودان بإعادة ترتيب الشهد السوداني بحضور فاعل للقوات المسلحة السودانية، وصولا إلى ما حدث في ليبيا من حصار السراج مندوب التنظيم الإخواني في المجلس الرئاسي الليبي وتصاعد نفوذ المشير حفتر وتنامى دعم القبائل الليبية للقوات المسلحة الليبية واقتراب تحرير طرابلس من توابع هذا الزلزال.

كانت ثورة 30 يونيو في فمصر بمثابة عاصفة غضب كبرى، عرت حقيقة جماعة الإخوان أمام العالم، لتتوالى بعدها صفعات على وجه الجماعة في عدد من الدول العربية ومن ثم الغربية، استمرت شرارة يونيو حتى وقتنا الحالي بتوجيه أنظار حكومات العالم إلى إرهاب هذا التنظيم، لتبدأ بعدها حقبة هي الأصعب في تاريخ التنظيم الإخواني منذ نشأته في عام 19.

بعد 30 يونيو مر تنظيم الإخوان بمراحل الانهيار الأخيرة، مع توالي الهزائم التي مُنِيَ بها في العديد من الأقطار العربية، التي قفز فيها على السلطة، دخل التنظيم على إثرها العناية منذ أن فقد قوته في مصر برفض شعبي في ثورة 30 يونيو، بالطبع انعكس على وجوده في بقية البلدان العربية.

الإخفاق السياسي للإخوان وصل إلى محطته الأخيرة بخسارة سياسية تشبه إخفاقات التنظيم المتتالية في عدد من البلدان العربية، بدءًا من مصر، مرورًا بالسودان وتونس، وربما تكون الصورة أكثر وضوحًا في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها في ليبيا، والتي توقع مراقبون وقتها أن الإخفاق سوف يكون حليف التنظيم فيها أيضًا.

تتابع الإخفاق السياسي للإخوان دليل على سقوط مشروعهم، فما حدث للتنظيم في بعض البلدان العربية ليس مجرد إخفاق سياسي أو تراجع شعبي مؤقت، لكنه سقوط عام لمشروع الإخوان وانهيار فكرته وتفككها، فانصراف الشعوب عنهم بهذه الصورة المتكررة دلالة على سقوط فكرتهم ومشروعهم ككل، وسقوط مشروع الإخوان مرتبط أساسا بأن التنظيم لم يعد لديه ما يخدع به الجماهير، وقد كان هذا واضحًا لشعوب البلدان، التي صعد الإخوان فيها إلى السلطة، وأخفقوا فيها إخفاقا كاملا، فكما نشأ التنظيم على يد حسن البنا في مصر منذ 90 سنة، تهاوى في الحالة المصرية، التي مثلت أيضا بدايات الانهيار للمشروع بأكمله في المنطقة.

سقوط الإخوان كمشروع يعود إلى بنية التنظيم المأزوم فكريًا وجماهيريًا منذ سنوات، لكن التنظيم حاليا يسوّق لسقوطه ذاك على أنه مرتبط ببعض الإخفاقات، وأنه سوف ينهض، وقد يلمّح إلى مسؤولية بعض القيادات عن تلك الإخفاقات، والحقيقة خلاف ذلك طبعا، فإخفاق الإخوان يعود إلى شيخوخة فكرته وبنيته وافتضاحهما، وبالتالي يبدو هذا السقوط متسقًا مع الظرف التاريخي والبنية الفكرية والسياسية له، فتنظيم الإخوان بدا غير قادر على الإنجاز بتجربته في أرض الواقع، فما يملكه لا يعدو كونه مجرد شعارات "مزيفة" لا تسمن ولا تغني من جوع.

منذ الأيام الأولى لسقوط الإخوان في مصر، ظهرت تداعيات هذا السقوط في كل البلدان، التي وُجد فيها الإخوان، وكانت ثورة 30 يونيو في مصر بمثابة مقدمة لتفكيك وانزع الفكر الإخواني، وليست مجرد عزل من الحياة السياسية فقط. وضمنت 30 يونيو أيضا تفكيك التنظيم بشكل تلقائي، وهو ما حدث، فمن تداعيات سقوط الإخوان في مصر سقوطُهم في السودان ثم تونس والجزائر والمغرب، وظهرت ملامح هذا السقوط أيضا في ليبيا.

كشفت ثورة 30 يونيو أن مشروع جماعة الإخوان قائم على الشعارات المزيفة لدغدغة مشاعر الناس، قبل الفكر الإرهابي المتطرف، لكن كان الفكر القائم على الشعارات المرتبطة بعلاقة الشعوب بالدين هي الأقوى والأبقى، وهو ما نسفته ثورة 30 يونيو في مصر، ولقد سقط الإخوان في أعين الشعوب العربية كافة، عندما اكتشفوا زيف شعاراتهم وتضليلهم الجماهير.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق