جمهورية جديدة للجميع
السبت، 11 يونيو 2022 10:40 م
تقف السياسة المصرية على أعتاب مفترق طرق ربما يشكل فرصة لاستعادة الحياة بها إذا تم التعامل مع اللحظة بشكل صحيح، وضع العمل السياسي في مصر وضع غير مريح بشكل لا تخطئه العين، والملف مُعقد ومتداخل بشكل غير مسبوق، والجميع متوجس وقلق وينتظر انفراجة بفارغ الصبر.
نحن اليوم أمام مشهد مختلف بعد دعوة الرئيس بالبدء في إجراء الحوار السياسي، وهو الصوت الذي لا يُعلى عليه فيه مشهد السياسة الحالية حتى لو أردنا غير ذلك، والتعامل مع الموقف يحتاج إلى فهم للحظة أولاً، وعلى إرساء قواعد جديدة في التعامل مع الأمر، وقبل كل شيء "سياسيين" يجيدون التعامل وفق آليات وأدبيات العمل السياسي.. وقواعده..
تجربة السياسة في مصر تعاني منذ عقود طويلة جداً من عدم تراكم الخبرات نتيجة التوقف عن ممارسة العمل السياسي بالمعنى الكلاسيكي منذ قيام ثورة يوليو وحل الأحزاب السياسية وتوقف العمل الحزبي طول فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر،والاكتفاء بالإتحاد الإشتراكي كتنظيم وحيد،وحتي قيام الرئيس السادات بإنشاء المنابر كبداية لتجربة جديدة لم يكتب لها النجاح،وانتهت بتشوه كبير صاحبه استحواذ الحزب الوطني على مقدرات الوطن وتقطيع الوطن إرباً وتوزيعها على أصحاب الحظوة من أعضاء الحزب الحاكم وأصدقاء الرئيس وأبنائه..
حتى قامت ثورة يناير وبدا أن هناك رهانا جديدا على استئناف حياة سياسة طال انتظارها،واصطدمت التجربة بأطماع تنظيمات الإسلام السياسي والاستخدام المكثف للخطاب الديني واستغلال تجريف الحياة السياسية وتشويه السياسة والسياسيين وشيطنة المصطلحات،لتخلو الساحة تماما لتنظيم الإخوان المسلمين الذي ظل يعمل في الخفاء والعلم طوال سنوات حكم الرئيسين السادات ومن بعده مبارك،لتنتهي التجربة الوليدة باستحواذ الجماعة وحلفاؤها على مقاليد السلطة بشكل كامل والبدء في عملية تغيير وجة الوطن كما عاش آلاف السنين إلى وجه آخر يناسب الجماعة لتكريس حكمها واستعباد أهلها الي الأبد،حتى قامت ثورة ٣٠ يونيو أطاحت بحكم جماعة الإخوان،ودخلت السياسة المصرية في مرحلة جديدة من الصراع بين الدولة والتنظيمات الإسلامية،كان ضحيته السياسة الوليدة التي لم تكتمل تجربتها،وساد الاستقطاب العنيف ولم يترك فرصة لأحد أن يقول إن هناك ثمة اختلاف بين التيار المدني الباحث عن الديمقراطية،وبين تيار الإسلام السياسي الباحث عن السيطرة والإخضاع باسم الديمقراطية كما فعل هتلر في صعوده لسدة الحكم..
كان المشهد خلال السنوات الأخيرة هو مشهد الاستقطاب الحاد بين دولة تحارب تنظيمات تحمل السلاح وتمارس الإرهاب، وبين تنظيمات تستخدم المظلومية لإبتزاز الجميع في الداخل والخارج،…وبين تيار مدني تم فرمه في منتصف الصراع العنيف.. ولا أعفي نفسي مع غيري من خطأ الانجراف للاستقطاب أو السماح للغضب بالتسلل الى توجيه بعض التصرفات غير الصحيحة
وبعد
انتصرت الدولة في صراعها مع الإرهاب وقاربت ولله الحمد عمليات التفجيرات والاستهدافات الخسيسة ان تصبح من الماضي-ونتمنى ان لا تعود ابدا- وحانت لحظة هدوء الأعصاب وبناء جسور من الثقة من جديد بين الدولة وأطراف معسكر ٣٠يونيو،وازالة الشوائب وسوء فهم المواقف،واستعادة مشهد السياسة المصرية مرة أخرى،ولن يكون هذا إلا بمراجعة ملف السجناء المحبوسين على ذمة قضايا سياسية،وتفعيل أكبر لدور لجنة العفو الرئاسية ومضاعفة أعداد الحاصلين علي العفو وإسراع وتيرتها،لتكون القاعدة "الإختلاف لا يفُسد الوطن قضية" كما قالها الرئيس القاعدة التي تستعيد بها مصر ابنائها المتناحرين،ولتكون طاولة الحوار الأساس الذي تتشكل عليه الجمهورية الجديدة التي تتسع للجميع. ولنكن مستعدين لفتح كل الجراح بغرض الشفاء التام من مرض الإستقطاب الذي لا يليق بمصرنا الغالية.