الذكرى 27 لرحيل الشيخ إمام عيسي المغني الثائر الذي عاش وحيدا ومات غريبا
الثلاثاء، 07 يونيو 2022 04:00 مإيمان محجوب
عندما «يسبق كلامنا سلامنا يطوف ع السامعين معنا...عصفور محندق يزقزق كلام موزون و له معنى..عن الارض سمرا و قمرا وضفه نهر و مراكب» يبقي اكيد حديثنا عن الشيخ إمام عيسي المغني الثائر صوت الفقراء الذي توفى في مثل هذا اليوم 7 يونيو عام 1995 في غرفته بحوش قدم بحي الغورية بالقاهرة الفاطمية، ودفن فى مقابر المستشار نور الدين العقاد بالإمام الشافعى، ليموت غريباً عن أهله، تماماً كما عاش وحيدا.
ولد الشيخ إمام أحمد عيسي في 2 يوليو 1918 بقرية أبو النمرس وعاش الطفل إمام طفولة بائسة، فقد بصره صغيرا ، والتحق بكتّاب القرية فى سن الخامسة وحفظ القرآن الكريم، وعرف عنه جمال صوته في إلقاء آيات الذكر الحكيم، وذلك أهله أن يلتحق بكورس غناء وراء منشدى الموشحات الدينية، وبسبب سماعة للإذاعة المصرية تم فصله من الجمعية الشرعية بأبو النمرس بإجماع الاراء لأن سماع الاذاعة في ذلك الوقت كان يعتبر بدعة!!
وجاء الشاب إمام عيسى إلى القاهرة دون مأوى بعدما طرده والده بسبب فصله من الجمعية الشرعية، فكان يقضى يومه كاملاً في منطقة الغورية وحوش قدم مقرئا للقرآن في الدكاكين، وليلاً يتوجه إلى الجامع الأزهر ليبيت فيه مفترشا الحصير جاعلاً حذاءه تحت رأسه.
وفى عام 1938 تعرف إمام على الشيخ درويش الحريري الذي كان زبوناً في محل حلاقة بحوش قدم، وطلب منه أن يعلمه الموسيقى على أصولها، ومنه تعرف إمام على النوتة وكيفية العزف على العود، واقترب إمام من عالم الملحنين، منهم الشيخ زكريا أحمد، والشيخ محمود صبح، والشيخ علي محمود، أحد أئمة الإنشاد الدينى في مصر، واستعان به الشيخ زكريا أحمد في تحفيظ ألحانه لأم كلثوم قبل أن تغنيها، وكان إمام يفاخر بهذا.
حتى إن ألحان زكريا أحمد لأم كلثوم بدأت تتسرب للناس قبل أن تغنيها أم كلثوم، مثل «أهل الهوى» و«أنا في انتظارك» و«آه من لقاك في أول يوم» و«الأولة في الغرام»، فقرر الشيخ زكريا الاستغناء عن الشيخ إمام.
لكن أهالي «حوش قدم» ساعدوه فى إيجاد غرفة بحارة ليسكن فيها مقابل غنائه لهم أغانى أم كلثوم والتى يلحنها الشيخ زكريا أحمد ، وفي عام 1945 قرر الشيخ إمام خلع الملابس الأزهرية وارتداء القميص والبنطلون ، واحترف الغناء فى الأفراح والموالد ودخل الإذاعة لأول مرة مع بطانة الشيخ عبد السميع بيومى.
وفى عام 1962 م، التقى الشيخ إمام عيسى بأحمد فؤاد نجم رفيق دربه، وتم التعارف بين نجم والشيخ إمام وأعجب كلاهما بالآخر، وبدأت الثنائية بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وتأسست شراكة دامت سنوات طويلة ويُعتبر أن الدور المباشر الذي لعب الشاعر أحمد فؤاد نجم في حِراك الشارع العربي هو بفضل عبقرية الشيخ إمام، وفي رأي أحمد فؤاد نجم كان الشيخ إمام مثل عبد الوهاب مغنيًا عظيمًا ومتفردًا
ذاع صيت الثنائي نجم وإمام والتف حولهما المثقفون والصحفيون خاصة بعد أغنية: «أنا أتوب عن حبك أنا؟»، ثم «عشق الصبايا»، و«ساعة العصاري»، واتسعت الشركة فضمت عازف الإيقاع محمد على، فكان ثالث ثلاثة كونوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء، وكغيره من المصريين زلزلت هزيمة حرب يونيو 1967الشيخ إمام وسادت نغمة السخرية والانهزامية بعض أغانيها مثل: و«يعيش أهل بلدى وبينهم مفيش - تعارف يخلى التحالف يعيش»، و«وقعت م الجوع ومن الراحة - البقرة السمرا النطاحة»، وسرعان ما اختفت هذه النغمة الساخرة الانهزامية وحلت مكانها نغمة أخرى مليئة بالصحوة والاعتزاز بمصر مثل «مصر يا امة يا بهية - يا ام طرحة وجلابية».
وانتشرت قصائد نجم التي لحنها وغناها الشيخ إمام كالنار في الهشيم داخل وخارج مصر، فكثر عليها الكلام واختلف حولها الناس بين مؤيدين ومعارضين، في البداية استوعبت الدولة الشيخ وفرقته وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحفيين وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتليفزيون، لكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم الشيخ إمام في أغانيه على الأحكام التي برئت المسئولون عن هزيمة 1967، فتم القبض عليه هو ونجم ليحاكما بتهمة تعاطي الحشيش سنة 1969 ولكن القاضي أطلق سراحهما، لكن الأمن ظل يلاحقهما ويسجل أغانيهم حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية.
قضى الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة يوليو حتى نصر أكتوبر يتنقلوا من سجن إلى آخر ومن معتقل إلى آخر وكان يغني وهو ذاهب إلى المعتقلات اغنيته المشهورة شيد قصورك ومن قضية إلى أخرى، حتى أفرج عنهم بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.
وخلال حياته كام الشيخ إمام عيسي دائما صوت للفقراء والمهمشين ومن أشهر اغانيه "يا خواجه يا ويكا، جيفارا مات، يا بلح أبريم، بقرة حاحا،انا رحت القلعة وشفت ، شيد قصورك" كما ناصر الشيخ إمام القضية الفلسطينية وغنى لها العديد من الأناشيد منها «يا فلسطينية» و«فلسطين دولة بناها الكفاح»
وفى منتصف التسعينات آثر الشيخ إمام الذي جاوز السبعين العزلة والاعتكاف في حجرته المتواضعة بحي الغورية ولم يعد يظهر في الكثير من المناسبات كالسابق حتى توفي في هدوء في 7 يونيو 1995 تاركاً وراءه أعمالاً فنية نادرة.