ملف خاص| 8 سنوات «مسيرة تحول دولة»: تحريك بحر مياه السياسة الراكد

السبت، 04 يونيو 2022 09:48 م
ملف خاص| 8 سنوات «مسيرة تحول دولة»: تحريك بحر مياه السياسة الراكد
يوسف أيوب

الفترة السابقة لـ25 يناير 2011، تتشابه كثيراً مع الفترة اللاحقة لها، من حيث السيولة السياسية التي لا ضابط لها ولا رباط، وكان من نتاج ذلك ما تابعنها جميعاً من ظهور كيانات سياسية أقرب في وصفها للكيانات الشخصية المرتبطة بشخص أو عائلة، لكنها على الأرض باتت بعيدة تماماً عن الالتحام الشعبى أو الجماهيرى، فلم يكن لها أي صدى، واستتبع ذلك تغول لما سمى بتيار الإسلام السياسى، الذى وجد الساحة شبه خالية امامه من منافس يستطيع أن يقدم رؤية تجمع حولها أعداد من المصريين، سواء كانت هذه الرؤية سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية.

وتزامن كل ذلك مع شبه اتفاق مع الكيانات السياسية التي ظهرت على السطح في مصر، إن السياسة أولاً وأخيراً، وأنه لا وجود لأفكار أو رؤى أخرى، وهو ما يفسر ما حدث في أعقاب 25 يناير من ظهور المظاهرات الفئوية التي لاقت عن خوف، استجابة من الحكومات التي تعاقبت، دون أن يكون هناك وقفة للتفكير في المستقبل، رغم أن المستقبل كانت بوادره شبه واضحة امام الجميع، مستقبل اقتصادى غاية في السوء، وانفلات مجتمعى لم يلتفت إليه أحد، وزاد من ذلك إن تيار الإسلام السياسى الذى كانت جماعة الإخوان حينها في صدارته، كانوا يغذون هذه الأفكار والرؤى، لانهم اعتبروها البوابة التي سينفذون من خلالها لمزيد من إحكام السيطرة على الشارع والمجتمع.

كل هذه كانت أخطاء واضحة للجميع حينها، لكن للأسف الشديد لم يكن بيننا من يمتلك جرأة القول أننا نسير في الطريق الخطأ، وأن استمرار السير فيه سيكلفنا مزيد من التدهور، وربما نصل إلى نقطة اللاعودة. نقطة تكون الدولة على شفا الانهيار. لكن لا أحد تحدث، ولا أحد كلف نفسه مسئولية التفكير في المستقبل، ولماذا يفكر طالما أنه خائف.

وزاد الأوضاع سوءً ما حدث في أعقاب تولى محمد مرسى الرئاسة، فمعه انهارت الكثير من القيم والمبادئ، ولم يبقى امام مصر يدعو المصريين الله عز وجل إن ينقذها مما هي فيه، وأن يرسل من بيننا شخص قادر على مواجهة الخوف أولاً، ثم قادراً على التفكير في المستقبل، ويمتلك رؤية قادرة على التحقيق على الأرض. رؤية تأخذ في حسبانها ظروف الدولة المصرية، وفى نفس الوقت تؤمن بقدرات المصريين على العمل والإبداع.

من هذه النقطة تحديداً فكر المصريين في الخلاص ليس فقط من حكم الإخوان، وإنما من كل ما كانت تعيشه مصر سواء قبل 25 يناير أو بعدها، لإن مصر تستحق أفضل مما هي عليه حينها. فكر المصريين فوصلوا إلى 30 يونيو 2013، ووضع نهاية ليس فقط لحكم الجماعة الإرهابية، وإنما لكل نظرة لا تأخذ في حسبانها قدرات ومقومات الدولة وهذا الشعب العظيم.

واكتمل فكر المصريين بعد الثورة على حكم الفاشية الدينية الإخوانية والإطاحة بهم، بأن وجودا في شخص الفريق أول عبد الفتاح السيسى، المنقذ، أو كما قال الأستاذ الراحل محمد حسنيين هيكل، الرئيس الضرورة. فطلب الشعب من السيسى حينها الترشح للرئاسة. حدث ذلك لإنهم راءوا فيه كما قلت المنقذ، الذى تحدى الخوف، ويمتلك الرؤية. فكان القرار وكانت الرغبة الشعبية، وكانت مصر بالفعل بعد 3 يونيو 2014 تتغير إلى الأفضل.

وأهم ما المحه من عناصر للتغير في الدولة المصرية بعد 3 يونيو 2014، وهو اليوم الذى تولى فيه الرئيس السيسى مسئولية الحكم، أن خريطة الدولة تغيرت بالكامل، سياسيا واقتصاديا واجتماعياً.

وإذا كان لنا ان نتحدث عن التغيير السياسى، فالحديث عنه يطول، لكن أهم ما فيه أن التغيير في هذا الملف تحديداً لم يكن منفصلاً عن الملفات الأخرى، بل جاء مكملاً لها، فاستكمال بناء مؤسسات الدولة الدستورية والسياسية كانت البداية لبناء الدولة من جديد، فالسياسة كما هي عماد إى دولة، فإنها من الضرورى أن تلتحم مع بقية الملفات الاقتصادية والاجتماعية، ومن هنا بدأ التغيير.

بدأ التغيير من خلال إدماج الشباب في الحياة السياسية، وتمكينهم ليكونوا أداة فاعلة، وإنهاء القطيعة التي أمتدت لسنوات بين الدولة والشباب، وإذا كانت المؤتمرات الوطنية للشباب التي انطلقت فكرتها في 2016 هي المؤشر على هذا التغيير، فإن تطبيق مخرجات هذه المؤتمرات هو نقطة التحول الرئيسية، والتي كان من نتائجها تواجد الشباب في مواقع المسئولية تنفيذاً وتشريعياً، ويوماً وراء الأخر أصبح الشباب هم القوة الفاعلة والمؤثرة في المجتمع المصرى، سواء بالعمل أو بالأفكار، وتبقى "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" خير شاهد على وجود أرضية مشتركة قادرة على أن تجمع كافة الشباب مهما اختلفت توجهاتهم الفكرية والأيدلوجية تحت راية واحدة.

فالتنسيقية رغم أن عمرها قليل نسبياً لكن أداءها تخطى فكرة العمر، لإنها كما سبق وقلت أكدت للجميع أن شبابنا لديه القدرة على العمل والأداء بشرط أن يجد من يثق فيه وفى قدراته، ومع تواجد الرئيس السيسى، تحول الشباب من حال إلى حال، واصبحوا قوة مضافة وليست خصما من رصيد المجتمع، وتزامن ذلك مع خريجى البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، وغيرها من البرامج الشبابية التي ضخت دماء جديدة في شرايين الحياة السياسية المصرية.

والحق أن هذه الدماء بما حققته من نشاط ملحوظ في السياسة المصرية، ما كانت لتحدث لولا وجود رئيس بقدر وقيمة وفكر الرئيس السيسى الذى آمن منذ البداية بقدرات الشباب، ومنحهم الثقة الكاملة، وكانوا حقاً على قدر هذه الثقة والمسئولية.

التغيير الذى طرأ على عقلية الشباب المصرى، استتبعه ايضاً تغيير في الفكر السياسى المصرى، فلم يعد متجمداً كما كان في السابق، لإن الشباب لديهم أفكار متجددة، وقدرة على العمل، لا يستطيع أحد إيقافها، وهو ما أدى إلى حدوث تغيرات جوهرية في الأحزاب المصرية، بعدما أحتل الشباب داخلها المكانة التي يستحقونها، وكان لتواجدهم داخل المؤسسات التشريعية "مجلسى الشيوخ والنواب" دور فاعل، قولاً وفعلاً.

وكانت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، من وجهة نظرى هي اللبنة الأولى التي بنت عليها الأحزاب توافقاتها السياسية، سواء من خلال خوض الانتخابات البرلمانية ضمن قائمة موحدة تجمع أكثر من 14 حزب، مختلفين سياسياً، لكنهم تعلموا من التنسيقية أن هناك أرضية مشتركة يمكن البناء عليها لتوافقات سياسية تستهدف في الأساس مصلحة الوطن والمواطن، كما أن التنسيقية أعطت درساً كبيراً للسياسيين أن هناك مساحات مشتركة دوماً للحوار والاتفاق مهما اختلفت الأفكار والأيدولوجيات، وهذه المساحة موجودة، لكنها بحاجة إلى من يستغلها ويعمل على توسيع نطاقها، وهو ما نجحت فيه التنسيقية التي هي نتاج تلاقى فكرى متنوع، يصل في نهاية المطاف إلى أفكار ورؤى تصب في الصالح العام.

فى المجمل يمكن القول أن التغيير في البنية الأساسية للحياة السياسية المصرية بعد 2014، كان نتاج التغيرات التي شهدتها الأحزاب المصرية، وفى القلب منها المشاركة الشبابية الفاعلة، التي كان لتواجدهم مؤشر على تغيرات كبيرة، ليس فقط في بنية هذه الأحزاب، وإنما في أفكارها وطريقة تحركها وتعاطيها مع القضايا الجماهيرية، والوطنية أيضاً، وهو أمر لم يكن ليتحقق الا بالرؤية التي يمتلكها الرئيس السيسى نحو الشباب وثقته الكبيرة في قدراتها، وهى الثقة التي أستقبلها الشباب بعمل وجد واجتهاد، فكان ما نحن عليه اليوم.

فهذه التغيرات أحدثت حراكا كبيراً في مياه السياسة المصرية التي ظلت راكدة لسنوات، ولم يفكر أحد في أن يحركها من جمودها.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق