هشام السروجي يكتب: الحوار الوطني.. الجميع داخل معادلة الجمهورية الجديدة
السبت، 21 مايو 2022 10:00 م
- مدنية الدولة والممارسة الديمقراطية الفعالة هما السبيل الوحيد لتوحيد الجبهة الداخلية.. والأزمات تفرض على الجميع مرونة التعاطي مع وجهات النظر المخالفة
النظرة إلى دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإجراء حوار وطني يضم كافة القوى السياسية والحزبية، يجب أن تكون أكثر عمقًا، لما قد يتبعها من حالة زخم تنعكس ايجابيا على الشارع السياسي والمجتمع المدني في المرحلة القادمة، وبما يفتح المجال العام أمام الأحزاب والقوى السياسية، ويتيح فرص أكبر لأن تكون قوة فعاله في صنع القرار وتشكيل المشهد السياسي، وأن تطرح رؤيتها على طاولة الحوار، وخلق تنوع حميد يستطيع أن يكون بديلا آمنا لحالة الاستقطاب التي مازالت تمارسها جماعات بعينها على قواعد الشعب المصري، بل أن تكون بداية حقيقية تسمح للجميع ليكونوا داخل معادلة الجمهورية الجديدة دون اقصاء.
اعتقد أن ابرز الملفات التي ستناقش في الحوار الوطني من خلال المعطيات الموجودة على الأرض، هي الاصلاح السياسي والحريات العامة والسياسية والتنمية الاقتصادية وطريقة تعامل الدولة مع برنامج الاصلاح الاقتصادي، هذه الملفات دائمًا ما تكون محور التحاور بين الانظمة والمعارضة في مصر والعالم، وعلى الجميع من المؤيدين والمعارضين التخلي عن الشوفونية العمياء والتربص واطلاق الأحكام المسبقة، فالحديث عن الحريات لا يعني بالضرورة الطعن في السلطة، وكذلك تأجيل بعض المطالب لا يعني بالضرورة سوء النية من السلطة أو عدم الجدية في الدخول إلى حوار حقيقي، لذلك يجب أن تنتهي نبرة التخوين والتخويف بين مؤيدي طرفي الحوار، وعلي الكثيرين أن يتوقفوا عن المزايدات الطفولية التي تعيد إلى الخلف بدلًا من الدفع إلى الأمام.
على القوى السياسية المدعوة إلى الحوار تنظيم ملفاتها جيدًا وترتيب أفكارها، ووضع سيناريوهات حلول منطقية قبل طرح المشكلات، بما يتناسب مع رغبة القيادة السياسية في انخراط تلك القوى في معادلة رسم خريطة المستقبل، يجب أن يكون المحرك الأساسي في الدخول إلى الحوار هو المصلحة العليا للوطن، وتنحية المصالح الشخصية التي أودت بالحياة السياسية وألقت بها في غياهب الجب، فتحولت الأحزاب إلى قيادات حزبية تفتقد للقاعدة الجماهيرية. وأتمني ألا يتم النظر للحوار من بعض الأحزاب والكيانات السياسية على أنه فرصة للتفاوض لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة، كالتي نراها في صراعات الأحزاب على حصصها في قوائم الانتخابات. على المدعوين إلى الحوار الوطني إدراك رسالة "الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية"، أي أن الهدف من أي مبادرة سياسية منبعها مؤسسة الرئاسة هدفها الأول والأوحد هو مصلحة الوطن، في فترة عصبية تستلزم توحيد الجبهة الداخلية على قلب رجل واحد.
أن تأتي المبادرة من القيادة السياسية معنونه بأن الوطن يتسع للجميع، هو في حقيقة الأمر دعوة للمشاركة الحقيقة في رسم خريطة مستقبلية للوطن، لإنه لا يمكن لأى نظام حكم أن يرفض رؤية سياسية أو اقتصادية منطقية، تتناسب مع الأوضاع الحالية، وتساعد في الخروج من الأزمات، ويتعمد تهميشها، خاصة وأن النظام السياسي سواء اتفقت واختلفت معه، لديه الرغبة الحقيقة في تغيير واقع مصر، وتغيير موقعها على خريطة القوى الكبرى.
الدعوة إلى حوار وطني هو شهادة رسمية لاستقرار الأوضاع الداخلية. الحوار يعني أن مؤسسات الدولة خفضت مؤشر المخاطر الداخلية إلى الحد الآمن، بعد أن كان يشير إلى حالة الحرب، في ظل الإرهاب العابر للحدود الذي هدد المجتمع على مدار 8 سنوات، بالإضافة إلي تهديد الأمن القومي النابع من حالة السيولة والفراغ السياسي والأمني في دول الجوار، كل هذه المعطيات كانت تفرض حالة الحرب فعليا، والدعوة التي أطلقها الرئيس السيسى من دلالاتها أن الوضع الأن يسمح لأن يعود الزخم السياسي وتنوع الآراء إلى الساحة النخبوية وكذلك للشارع السياسي، فمن المعروف بداهة أنه لا يمكن لدولة في حالة حرب أن تتوافر لها رفاهية التحاور مع المؤيدين قبل المعارضين، لأن التحاور أساسه الاستقرار.
التنوع الفكري يثري الحياة السياسية، وتباين الآراء يخلق سيناريوهات أكثر لإدارة الأزمات إذا كان المتحاورين لهم نفس الهدف ولديهم مستوى معتبر من التقارب الفكري، وهي الفرصة الحقيقة التي يجب أن يغتنمها المشاركين بطرح رؤيتهم في جميع المجالات وفي كل المحاور، يفرضوا وجودهم ويخلقوا مساحة مشاركة في الرأي الوطني ورؤية المستقبل، بدلا من ان يكونوا على الهامش ورقم خارج المعادلة والزمن.
كذلك يقع على عاتق الدولة مسؤولية الحوار الجاد، وليس المدعوين فقط، مسؤولية الرغبة الحقيقية في الوصول إلى مخرجات ينتفع بها الوطن، وأن يكون هناك قدر كبير من المرونة وسعة الصدر للاستماع لكل الآراء والاطروحات المقدمة ممن تمت دعوتهم، وتحقيق القدر الأكبر من الطلبات المقدمة من المشاركين، والتي اعتقد أنها لا تخترق سحب المستحيلات، والجميع يعلم تمام العلم أن مدنية الدولة والممارسة الديمقراطية الفعالة هما السبيل الوحيد لتوحيد الجبهة الداخلية أمام التحديات السياسية والاقتصادية.
اعتقد أن القيادة السياسية التي استطاعت تحويل دفة المجتمع الدولي من الرفض للقبول في ملفات عديدة، والتي أدارت الملفات الخارجية مع بعض الدول التي استهدفت أمن واستقرار مصر، بكل حكمة وحنكة سياسية وضبط النفس، وفرضت رؤيتها السياسية العاقلة في القضايا الاقليمية مثل القضايا السورية والليبية وغيرها من القضايا الساخنة، وحازت احترام الكبار في أسلوب ادارتها لكل الملفات التي مدت فيها أيديها، لهي سلطة قادرة على استيعاب أبناء الوطن المختلفين معها في الرأي والرؤية وعدد من الملفات الهامة، وتستطيع التعاطي مع متطلبات الحاضرين.
الفرصة كذلك سانحة للسلطة في توصيل رؤيتها الخاصة إلى القوى السياسية الحاضرة، وشرح خلفيات القرارات المصيرية التي اتخذتها الدولة في الملفات السياسية والاقتصادية، لكي يصل الجميع إلى نقطة الوقوف على أرضية وطنية مشتركة، نعتبرها بمثابة قاعدة انطلاق لمرحلة جديدة في تاريخ الوطن.
أراها بداية من الممكن أن تغير خريطة الساحة السياسية، وتعيد صياغة تركيبة المجتمع من مفعولا به إلى فاعل، وقد أثبتت التجربة خلال الفترة الماضية، أن المجتمع المصري قادر على خوض التحديات كتفا بكتف مع قيادته، وتحمل أعباء أثقل من الجبال، لكن في حالة أن تمت مشاركته في المشكلات دون توريه أو مواربة، تشير هذه المعطيات إلى زيادة الوعي داخل المجتمع، وهو أهم ثمار ثورتي 25 يناير و30 يونيو على الوعي الجمعي للمصريين.
ننتظر مخرجات الحوار الوطني وبرنامج تنفيذها، وتحويل الدعوة إلى مناسبة سنوية للتحاور بين القوى السياسية والسلطة، على غرار منتدى شباب العالم، الذي فرض مخرجاته المنطقية على مؤسسة الرئاسة لما يقدمه من رؤية ومشروع يدفع قاطرة الوطن إلى الأمام، وأتمنى أن يخرج الحوار بالقدر المناسب لمكانة مصر الرائدة في ممارسة الديمقراطية بين محيطها الاقليمي.