سلامات يا حسينى.. الاختيار ينصف شهيد الكلمة
الأحد، 17 أبريل 2022 02:00 ص محمد أبو ليلة
"أنا رايح على هناك، ما اعتقدش إنها هتخلص على كده، أنا عندى معلومات إن الإخوان نزلوا التنظيم الخاص، ده معناه إنهم ناويين على الدم، ربنا يستر".. كانت تلك أخر كلمات الشهيد الحسينى أبو ضيف، وهو يتحدث مع أحد أصدقائه عبر الهاتف، قبل أن يتوجه إلى مبنى الاتحادية، حيث تجمع الشباب الرافضين لحكم الفاشية الدينية الإخوانية، في حين دفعت الجماعة الإرهابية بعناصرها ليمنعوا مظاهرة الشباب بأى صمن حتى ولو كان هذا الثمن هو دم وارواح هؤلاء الشباب.
ذهب الحسينى لتغطيه أحداث الاتحادية، ومن هناك قال إن "الإخوان عايزينها حرب أهلية عشان يعملوا اللى هما عايزينه"، بعدها تم تسليط ضوء الليزر عليه وإطلقت العناصر الإخوانية النار عليه ليستشهد الحسينى.
ويواصل الاختيار 3 في فصله الثالث انصاف رجال دفعوا حياتهم ثمناً لكلمة حق في وجه سلطان فاشي، تمسك بمصلحة جماعته الإرهابية وأعلاها فوق مصلحة الوطن، فقد أنصف المسلسل في حلقاته الماضية، الصحفي الشاب الحسيني أبوضيف الذي لم يدخر حياته مقابل أن ينطق بكلام الحق في وجه الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعته المارقة.
اقترب العمل من الحقيقة التي كان عليها الحسيني أبوضيف ببشرته السمراء، وملامحه الجنوبية، وشال الفلسطينى الذى لا يفارق عنقه، وكاميرته التي لا تنفصل عن ذراعه الأيمن وعيونه الشاخصة وسط الأحداث، تلتفت يميناً لتلتقط أحدهم ممسكاً بسلاح مطلقاً النيران، ويساراً لتصطاد الضرب المبرح لمتظاهر.
الحسينى أبوضيف، كان صحفياً بالزميلة العريقة الفجر» ويوم مقتله كان في محيط الاتحادية، يصور كل أحداث اليوم الدامى، ومن مضحكات مبكيات الحادث أن وقته موته كان قد اكتفى الحسيني بما صوره في تمام الساعة الواحدة صباحاً والتقى أحد رفقائه، وساروا سوياً نحو شارع الخليفة المأمون، وأصيب فى يده بإحدى طلقات الخرطوش، لكنه لا يبالى، جلس ليأخذ استراحة محارب على المقهى وراح برفق يضغط على «زرار» الكاميرا يقلب الصور بزهو، وهنا رمقه أحدهم، فتحرك بسرعة وبدأ فى التصويب نحوه، حتى اخترقت رصاصات الغدر رأسه، وسقطت نظارته، وسقط هو بعدها أرضاً غارقاً فى دمه بين الحياة والموت.
اختفت الكاميرا وما عليها من مشاهد للأحداث الدامية التى انطلقت بعدما أصدر الرئيس المعزول محمد مرسى إعلاناً دستورياً مجحفاً ليوسع به سلطاته.
خرج الآلاف من أمام نقابة الصحفيين يشيعون «أبوضيف» خريج كلية الحقوق جامعة أسيوط، الذى منح صوته لـ«مرسى»، فى جنازة تتحول لمظاهرة رفض لنظام، لم يكمل العام حتى سقط، الكل فى نفس واحد يكررها يكملها، كانت الاستجابة لطلب الحسينى الذى دونه قبل نزوله للأحداث صباح يوم 5 ديسمبر «هذه آخر تدوينة قبل نزولى للدفاع عن الثورة، وإذا استشهدت لا أطلب منكم سوى إكمال الثورة نقطة».
كان معروف أبو ضيف بدفاعه المستميت عن الفقراء، وشارك في العديد من الوقفات الاحتجاجية للدفاع عن المظلومين. كما كان يقف فى المظاهرات التي تندد بالظلم والفساد وتقييد الحريات، لأن قضيته هي القضاء على الفساد ومحاربته، وأكبر دليل على محاربته الفساد أنه عندما رفعت جامعة أسيوط المصاريف الجامعية، وأقام الحسيني دعوى قضائية ضد إدارة الجامعة، وكان من المعتقلين لدى أمن الدولة التي تستدعيه على خلفية اﻷنشطة السياسيّة بالجامعة.
كان الحسيني أبو ضيف، نشر قبل 4 أشهر من مقتله فقط، مقالًا أوضح فيه أن الرئيس الأسبق، محمد مرسي، أصدر عفوًا رئاسيًا شمل 572 سجينًا، وذلك في يوليو من عام 2012، ليتضمن هذا العفو سيد علي محمود، وهو شقيق زوجة مرسي، والذي كان يمضي حكمًا بالسجن لمدة 3 سنوات بعد أن أتمت إدانته بتهمة الرشوة، وتجاهلت الرئاسة هذا التقرير تمامًا، ولكن بعد فترة قليلة تلقى الحسيني عددًا من التهديدات عبر صفحته على موقع فيسبوك، من أشخاص وصفوا أنفسهم بأنهم مؤيدون لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك حسب مقابلات أجرتها لجنة حماية الصحفيين مع شقيق الصحفي القتيل وزملائه.
كما كان الحسيني نشطًا للغاية في توثيق كل الانتهاكات التي كان تحدث آنذاك، إذ كان أدمن الصفحة الرسمية لحركة كفاية، المناهضة لحكم الإخوان، والتي نشر بها أي انتهاكات تمت في ذلك الوقت، إضافة إلى توثيقه ما يحدث على صفحته هو الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، وذلك حسبما أوضح محاميه محمد فاضل، وفق المذكرة التي قدمها للمحكمة، ، كما كان أدمن أيضًا بصفحة لجنة الدفاع عن الصحافة.
وكتب الحسيني في أحد موضوعاته، ليس مهمًا أن تكون أحد المشاهير لكي يخلد اسمك، ليس مهمًا أن يكون لك أصدقاء على فيس بوك أو تويتر بعشرات الآلاف لكي تخرج مظاهرة حاشدة تؤيدك، ليس مهمًا اسمك أو لونك أو دينك لكي ترى الجميع يرفع صورتك في قلب ميادين التحرير، كلنا في حب الوطن سواء وكلنا خالد سعيد وكلنا مينا دانيال وكلنا أحمد صالح.
وطالب الحسيني أبو ضيف، مرارًا وتكرارًا بحرية الصحافة والإعلام المصري من القيود التي فرضت عليه من أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وحتى مقتله أيام الرئيس السابق محمد مرسي.
أجمع أصدقاؤه على أنه لم يترك أي صديق في محنة كما لم يرتفع صوته فى حديث مع صغير أو كبير، وكان دمث الخلق، بشوشًا متدينًا مصريًا حتى النخاع، مؤمنًا بوحدة شعب مصر.
قالت زميلة له: "الحسيني مات خارج الاشتبكات بمسافة طويلة، نحن أمام محاولة اغتيال وتصفية مباشرة للحسيني".
وقال الكاتب خالد السرجاني في مقال له منشور على جريدة المصري اليوم: ” صديقى الراحل الحسينى أبوضيف له طابع خاص بين زملائه الصحفيين، فجاء إلى الصحافة وله انتماءات سياسية واضحة، منتمي إلى التيار الناصرى، وعمل فى جريدة من تلك التى تحارب الفساد، وكان فى حربه على الفساد من النوع الثقيل، لقد كان الشهيد الحسينى «ابن موت» كما يقول أولاد البلد، فمن جلس معه مرة واحدة لا ينساه، ومن تعامل معه بنى معه صداقة ظلت مستمرة”.
وأكد تقرير الطب الشرعي الصادر في 22 فبراير 2013، أي بعد شهرين من الواقعة أن أبو ضيف قُتل جراء تلقيه رصاصة أطلقت من مسافة تزيد قليلًا عن متر واحد، غير محدد لنوع السلاح أو الرصاصة المستخدمة.
وعقب كبير الأطباء الشرعيين ورئيس مصلحة الطب الشرعى الأسبق، الدكتور فخرى صالح، على تقرير الطب الشرعي بشأن مقتل الحسينى، فقال إن القاتل استهدف مناطق تؤدى إلى القتل الفوري، منها منطقة أعلى الصدر والرأس، مؤكدًا أن عملية اغتياله تمت من محترفين فى القتل برصاص محرم دوليًا، من نوع «دمدم» التي تهدف إلى الانشطار داخل الجسد عند الارتطام به لتقوي من تأثير وعمق الإصابة.
قررت النيابة العامة بعد صدور تقرير الطب الشرعي، استدعاء ثلاثة شباب قياديين من جماعة الإخوان المسلمين، وهم أحمد سبيع، وعبد الرحمن عز، وأحمد المغير، وحققت معهم لمدة ست ساعات ثم أفرجت عنهم لنقص الأدلة، وفي أواخر مايو 2013، فتحت النيابة التحقيق مرة أخرى بضغط من القوى الثورية، إلا أنها أقفلت التحقيق بعد شهر واحد فقط، محيلة أحمد المغير إلى المحكمة بتهمة الاعتداء على المتظاهرين وعلاء حمزة، إلى المحكمة بتهمة تعذيب واحتجاز متظاهرين معارضين، وفي أبريل عام 2015.
وتكشف التحريات أن اغتيال أبو ضيف برصاصة فى الرأس دليل على وجود نية واضحة لاغتياله، حيث قتل عمدًا بسبب مواقفه ضد الإخوان.
ومقتل الحسينى أبو ضيف، ساعد على إشعال الثورة وسقوط الرئيس الأسبق محمد مرسى، وكان من أولى البلاغات التى تقدمت ضد مرسى، بلاغًا تم تقديمه لنيابة مصر الجديدة يوم 6 ديسمبر 2012 يتهم فيه مرسى وعددًا من قيادات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة بمقتل أبو ضيف.