الحرب الروسية الأوكرانية: مناورات خلف ستار المفاوضات

السبت، 19 مارس 2022 06:58 م
الحرب الروسية الأوكرانية: مناورات خلف ستار المفاوضات
محمود على

روسيا تتأرجح بين استمرار الحرب الطويلة مع اوكرانيا أو الانسحاب بعد تحقيق الأهداف الاستراتيجية

تدخل الحرب الروسية الأوكرانية أسبوعها الرابع، مع عدم وجود مؤشرات على مستقبلها، وسط غموض حول التطورات العسكرية على الأرض وقدرة موسكو على الحسم.

وتتحدث الصحافة الروسية عن اقتراب وشيك من حسم المعركة، والسيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف لتغيير السلطة القائمة، بينما يؤكد الإعلام الأوكراني ووكالات دولية تابعة للغرب صعوبة المعركة على الأرض والتوقع بامتدادها لفترة أطول بالإشارة إلى المقاومة التي أظهرتها القوات الأوكرانية أمام نظيرتها الروسية في بعض المناطق.

انتهاء معركة أم تطويل

تقول روسيا إن كل أهدافها في أوكرانيا تسير وفق الخطط الزمنية المرتب لها، مؤكدة تحقيق تقدمات واسعة على طريق حماية أمنها القومي، وعدم تمدد حلف شمال الأطلسي على حدودها.

ولا يخف الغرب أن هناك تقدمات عسكرية لروسيا في أوكرانيا ولكن يصفها بالـ"بطيئة جدا"، ووفق تقييم صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) فيؤكد أنه رغم هذه التقدمات إلا أن هناك تعثر للقوات الروسية على مدار أيام مع استمرار القصف، ويستند تقييم "البنتاجون" إلى عدم تحقيق القوات الروسية التفوق الجوي ولا ما يؤشر على سيطرتها على المدن الكبرى في أوكرانيا.

وتوقع أوليكس أريستوفيتش، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، نهاية الحرب في مايو المقبل، بعد استنزاف موارد روسيا عسكريا، لكن تؤكد التقارير أن هناك خطوة قد تقلب الموازين رأسا على عقب وهي نتيجة المعركة الشرسة التي تدور في مدينة ماريوبول التي تشهد منذ نحو أسبوعين معارك عنيفة، تجمع الجيش الروسي والقوات الانفصالية من جهة ضد الجيش الأوكراني من جهة أخرى للسيطرة على ماريوبول المطلة على الساحل الشرقي لأوكرانيا.

وباتت ماريوبول، أشهر مدن الحرب خلال الأيام الماضية، نظرا لتمركز أغلب العمليات العسكرية الروسية فيها، واعتبارها نقطة تحول في الحرب الأوكرانية حيث تسعى موسكو للسيطرة عليها، من أجل التقدم خطوة بل خطوات نحو حسم المعركة لصالحها.

وتقع ماريوبول في الجزء الجنوبي الشرقي لأوكرانيا، وهى منفذا على بحر آزوف داخل إقليم دونتسك، وهي عاشر أكبر مدينة أوكرانية من حيث الكبر وثانيها في أوبلاست دونيتسك، ويقترب عدد سكانها من نصف المليون نسمة، وتعتبر مركزا رئيسيا للتجارة وصيد الأسماك، وكانت في القرن التاسع عشر وحدة إدارية للإمبراطورية الروسية، ما يؤكد قيمتها التاريخية بالنسبة للروس.

وبعيدا عن التاريخ يعتبرها الروس، ذات أهمية قصوى لهم في هذه المرحلة من الحرب، وترجع أول الأسباب إلى انتماء المدينة إلى أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية وتقع داخل حدودها الإدارية، ما يعني أن أغلب سكانها مناصرين لروسيا ويرفضون الحكم الأوكراني، وكانت صوتت ضمن إقليمي "دونيتسك ولوغانيسك" على انفصالهما من كييف في العقد قبل أن يعترف بهما الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مؤخرا.

كل هذه الخلفيات عكس حكم الاهتمام الروسي بهذه المدينة ما زاد من قوة الصراع حولها، ووفق الرواية الروسية فإن " الأوكران لا يعتبرون سكان ماريوبول من سكانها الأصليين ولذلك تستخدم السكان دروعا بشرية"، لكن هناك أسباب استراتيجية أخرى لروسيا، تجعل من مدينة ماريوبول خطوة مهمة نحو تحقيق أهدافها بشكل أسرع، حيث يسمح السيطرة عليها بالربط بين القوات التابعة لموسكو في شبه جزيرة القرم والاخرى المتمركزة في المناطق الانفصالية في دونباس.

كما يتواجد داخل المدينة ساحل بحر أزوف التي تسعى روسيا لاستغلاله في حربها، وقطع اي إمدادات قادمة من خلاله إلى الجيش الأوكراني، ويقع على الساحل ميناء اقتصادي مهم والسيطرة عليه من قبل القوات الروسية والانفصاليون يعني قدرة اقتصادية قوية لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليين خصوصًا في مجال تصدير الفحم والمعادن، بالإضافة إلى ذلك فإن ماريوبول تعتبر أكبر مدينة في حوض دونباس لا تزال تحت سيطرة أوكرانيا، وهو الحوض الذي يضم مناطق دونيتسك ولوغانسك.

ويرى المحللون أن العملية العسكرية الروسية ستشهد تقدم كبيرا في حالة السيطرة على ماريوبول على خلفية أنها الطريق البري الموصل من روسيا وشرق أوكرانيا مع شبه جزيرة القرم، ما يعني أن وقوعها في يد الروس عزل أوكرانيا بحريًا.

مفاوضات سلام مع الحرب

في المقابل، تشهد المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا تطورات متسارعة، إذا يؤكد الرئيس الأوكراني إن هناك تقدم حدث في الجولات السابقة من المحادثات واصفا بأنه "تقدم جيدا جدا حتى الآن"، وفي الأسبوع الماضي، انتهت الجولة الرابعة من المفاوضات دون الإعلان عن أي تفاصيل تكشف إحراز تقدم كبير بين الجانبين، غير أن المفاوضون من الجانبين في الأيام القليلة الماضية ظهروا في وسائل الإعلام أكثر تفاؤلا.

من جانب روسيا، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إن بلاده يمكنها إنهاء العملية في أي لحظة، في حال قبلت كييف الشروط الروسية.

ومن اول المطالب التى أعلن عنها المتحدث الروسي هو تعديل أوكرانيا، الدستور والتخلي عن مطالبات الانضمام إلى أي تكتل والاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا وباستقلال جمهوريتي لوجانسك ودونيتسك.

ومن بين النقاط الأخرى التي تلقي المباحثات الضوء عليها هو فتح ممرات آمنة للمدنيين للعالقين، بالإضافة إلى توصيل المساعدات الإنسانية، وكشفت وزارة الدفاع الروسية عن وقف إطلاق النار تم إعلانه الأسبوع الماضي في عدد من المناطق في أوكرانيا بالتزامن مع فتح ستة ممرات إنسانية لإجلاء مدنيين إلى أماكن آمنة، مشيرا إلى قيام القوميين الأوكرانيين باستخدام الأهالي المدنيين كـ "دروع بشرية"، لإطلاق النار على العسكريين الروس من وراء ظهور الأهالي.

وتتبادل روسيا وأوكرانيا الاتهامات، في الفترة الأخيرة؛ حول على من تقع المسؤولية في عدم توفير ممرات آمنة بالمناطق التي تشهد عمليات عسكرية في الحرب الأوكرانية التي أطلقتها موسكو في 24 فبراير الماضي.

ورصدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الاثنين، فرار 1,735,068 لاجئًا من أوكرانيا منذ بدء الهجوم الروسي، وهذا العدد يزيد بـ200 ألف عن الحصيلة السابقة الأحد.

وتتوقع السلطات الأوكرانية والأمم المتحدة أن لا يتوقف هذا الرقم المخيف، حيث سيتدفّق مزيد من اللاجئين من أوكرانيا، خاصة عند فتح الممرات الإنسانية التي ستسمح للمدنيين المحاصرين في المدن الكبرى بالخروج.

ويقصد بالممرات الآمنة الإنسانية، مناطق منزوعة السلاح بشكل مؤقت، وتسمح بمرور المساعدات الإنسانية إلى منطقة الأزمة أو خروج اللاجئين منها، وقد سمع بهذا المصطلح كثيرا في المناطق العربية خلال العقد الماضي، خاصة خلال النزاعات والمعارك التي دارت في سوريا وليبيا واليمن.

وبينما فشلت المفاوضات القائمة بين روسيا وأوكرانيا، للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار، لكن توصل الجانبين لاتفاق حول إقامة ممرات إنسانية مشتركة لإجلاء المدنيين، في وقت استمر الطرفين في إطلاق اتهامات متبادلة حول عرقلة هذا الأمر.

وجعل السجال الكلامي والتصريحات المثيرة بين روسيا وأوكرانيا حول الممرات الأمنة، الملف في صدارة أخبار الحرب الأوكرانية، مع انطلاق المفاوضات حولها.

أكثر من المدن التي تعاني من أزمة الممرات الإنسانية هي ماريوبول وفولنوفاخا، جنوب شرقي أوكرانيا، والتي فشلت فيها عمليات الإخلاء، في شهدت الإثنين محاولة أخرى لإجلاء المدنيين في ماريوبول ومناطق أخرى.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الممرات الإنسانية التي تتيحها موسكو، تؤدي إلى روسيا وبيلاروسيا، الدولتين اللتين تهاجما أوكرانيا حاليا، مشيرا أن هذا الأمر (الممرات الإنسانية التي أتاحتها موسكو) غير أخلاقي، موضحا أنه يجرى استغلال بشر يعانون من أجل بناء صورة تلفزيونية إيجابية.

في حين تتهم روسيا عبر وزير خارجيتها سيرجي لافروف أوكرانيا بعرقلة عمل الممرات الإنسانية مؤكدا "أن الجيش الروسي يفعل كل ما في وسعه لضمان عمل الممرات الإنسانية في أوكرانيا، ولديه استعداد للمساعدة في إجلاء الطلاب الأجانب من خاركوف، لكن الجانب الأوكراني على حد قوله منع ذلك".

النفط يتراجع

في الوقت تلقي الحرب بظلالها على مجال الطاقة في العالم الذي يشهد صدمات متعاقبة على خلفية تذبذب أسعار النفط، حيث استمرت هذا الأسبوع تراجعات النفط تزامنا مع تواصل المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا والإعلان عن جولة جديدة من المفاوضات بينما يترقب السوق صدور تقرير أوبك الشهري.

وخلال الأيام القليلة الماضية، تعرضت أسعار النفط للعديد من الضغوط عقب ارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوياته في 14 عاما وصولا إلى مستويات قرب الـ140 دولارا.

وتشير التقارير أن بخلاف الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها وما قيل عن قرب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بشكل نهائي، فإن هنا أمور أخرى تؤثر على أسعار النفط، منها ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية ووكالة الطاقة الدولية والإعلان عن الإفراج عن نحو 60 مليون برميل إضافية من المخزونات لدى الولايات المتحدة وحلفائها، بالإضافة إلى مفاوضات فيينا بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

تداعيات الحرب على واشنطن

في سياق متصل، أشعلت الحرب الروسية الأوكرانية سباق الترشح في الانتخابات الأمريكية مبكرا، لاسيما بعدما هاجم مرشحين محتملين تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع التطورات، التي وصلت إلى التهديد باستخدام الأسلحة النووية في مواجهة أي تحرك غربي في أوكرانيا.

ومن المقرر أن تجرى الانتخابات التمهيدية (النصفية) هذا العام بينما تجرى الرئاسية في 2024، لكن رغم أنه يفصلنا ما لا يقل عن عامين، إلا أن هناك حشد انتخابي من قبل السياسيون الأمريكيون للاستعداد لانتخابات الرئاسة، وذلك عن طريق الانخراط في قضية أوكرانيا التي تبدو أنها ستكون إحدى قضايا الحسم في سباق الانتخابات.

وتبادل المعسكر الديمقراطي والجمهوري بالولايات المتحدة الاتهامات، حيث استغل الرئيس السابق للبيت الأبيض دونالد ترامب، الأحداث للهجوم على الإدارة الحالية بقيادة بايدن بسبب تعاملها مع الأزمة الأوكرانية، في وقت لا يزال الهجوم من جانب بعض الديمقراطيين على ترامب مستمر لاسيما في وقت تحقق فيه لجنة من النواب الأمريكي في دوره الرئيس الأمريكي السابق في هجوم أنصار له على مبنى الكونجرس في 6 يناير 2021 الماضي.

وبدأ السباق التمهيدى يشتعل داخل الحزب الجمهوري والنظر في استمرار دعم ترامب كمرشح للحزب في الانتخابات المقبلة، ام تغيره والدفع بشخص آخر ليحل محله ويكون قادر على إزاحة الرئيس الأمريكي الحالي جون بايدن.

ووفق ما أكدته وكالة أسوشيتدبرس فإن حاكم ماريلاند يخطط لجولات فى أيوا ونيوهامبشير، بينما يدرس النائب الجمهورى عن ولاية إيلينوس أدم كينزنجر وضع جدول زمنى لإعلان محتمل عن الترشح للرئاسة. بينما يتحدث حلفاء للنائبة ليز تشينى صراحة عن احتمالات خوضها سباق البيت الأبيض.

ويمثل رغبة هؤلاء فى الترشح، حتى فى حال ترشح ترامب، تحولا عن السنوات السابقة عندما فشل المناهضون لترامب فى ضم أى من شاغلى المنصب الجمهوريين لتحدى الرئيس شاغل المنصب، لكن تشير هذه التطورات أن سباق 2024 أصبح محط اهتمام.

وبدأت المقارنات حول تعامل الادارات المختلفة مع روسيا، حيث تقول صحيفة ذا هيل في تقرير سابق لها إن الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي تعرض لانتقادات لأنه أشاد في البداية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غيّر لهجته في الأيام الأخيرة، ووصف التدخل فى أوكرانيا بأنه «محرقة» هذا الأسبوع.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة