حرب نفسية

تتعالى أصوات المدافع والرصاص في أوكرانيا، ولكن ليس وحدها هناك أصوات أخرى أكثر تأثيرا في أسلوب اتبعه الإسكندر الأكبر 498 قبل الميلاد في غزوات أوروبا، فعندما تحاول هزيمة خصمك تغلبت عليه نفسيا حتى يكون مستسلما كالعجينة المرنة تشكلها حيثما شئت.

تخوض أمريكا من جانب وروسيا من أخرى، مواجهة تعتمد على الأفكار، و"حرب نفسية" تدور رحاها ونشعلها نحن المتلقين للمعلومة، فالولايات المتحدة لم تهدأ منذ أيام باستخدام "السلاح الإعلامي" و"حرب البيانات" برفقة الدول الغربية، لتشويه روسيا أمام وسائل إعلام محدودة لا تستطيع مجاراة الأمور.

أسابيع ثلاثة سجلت استخدام أطراف النزاع كل وسائل الضغط العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، وسط تصعيد في "معارك العقوبات" بين الغرب الداعم لأوكرانيا وروسيا، ويبدو أن هناك اتجاها آخر لتصعيد جديد في الحرب النفسية.

ورغم تزايد الحديث عن إحراز تقدم في المفاوضات الجارية بين موسكو وكييف ما يزال الوضع متأزما للغاية جراء استمرار العمليات العسكرية وتبادل الاتهامات باستهداف مدنيين بين الطرفين قبل أن تدخل أزمة ارتفاع أعداد اللاجئين الأوكرانيين لتزيد المشهد سوادا.

رغم أجواء الحرب والتوتر ظهر مؤخرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غير مكترث مرتديا الكاجوال ويستمع الموسيقى، وقبلها خرج الكثير من المتطوعين المؤيدين لأوكرانيا يستهدفون عناوين البريد الإلكتروني للجنود الروس وعائلاتهم، وإيصال رسائل إلى أمهات الجنود في مسعى للتأثير فيهن وإقناعهن بمطالبة بوتين بإعادة أبنائهن من القتال.

حيل قديمة أيضا استخدمها الروس مثل قصة هروب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من البلاد، لخفض الروح المعنوية للشعب الأوكراني، ومحاولة زعزعة ثقة الشعب الأوكراني في رئيسهم.

في خضم أي حروب تبث الأخبار الكاذبة للعالم، وسط اتهامات بين المتنازعين والتقليل من الخسائر بالمعارك التي خاضوها في المواجهات، أنهم أقوياء وأن الحرب تؤتي ثمارها.

في خضم الحرب الروسية الأوكرانية حاول أبناء كييف عرض الدبابات الروسية المحترقة والجنود الروس المصابين ليقولوا إن النصر حليفهم وإنهم أقوياء، لتعزيز معنوياتهم الداخلية، وضرب الروح المعنوية للروس.

استخدموا المدنيين لمصلحة المجهود الحربي، سواء من أجل إثارة المشاعر الوطنية وبث الحماس ودفعهم للمقاومة، لإظهار أن هناك أملاً وأن أوكرانيا ستنتصر، وتوصيل رسائل للغرب بالإلحاح للتدخل عسكرياً أو فرض ضغوط أكثر على روسيا.

أما في روسيا يستهدف القادة الجماهير في أوكرانيا، لإقناع سكان الداخل بجدوى الحرب، وبضرورة إلقاء السلاح والاستسلام في مسعى لتحرير بلادهم بما أسموه "النازيين الجدد".