يوسف أيوب يكتب: مصر وأوروبا.. علاقات غير مشروطة أساسها الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية
السبت، 19 فبراير 2022 10:00 م
"مصر لا تجعل العلاقات مع الدول الأخرى مشروطة، لإن الأساس هو الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية".. هذا هو المبدأ الذى تسير عليه مصر في علاقاتها الخارجية، وهو ما أكسب القاهرة ثقة كبيرة لدى شركائها الأوربيين والأمريكيين، ومكانة خاصة لدى اشقائنا العرب والأفارقة، بعدما تيقنوا أن سياسة مصر التي وضع أسسها الرئيس عبد الفتاح السيسى لا تعرف الخوف، كما لا تعرف المهادنة، لأنها مبنية على أسس واضحة وقوية، ومعلومة للجميع.
وإذا أخذنا مثالا على ذلك العلاقات المصرية الأوربية، والتي شهدت في مراحل متعددة "شد وجذب" بسبب ملفات سياسية، وضعها الغرب كحجر عثرة أمام نمو العلاقات الاقتصادية، فمن يتابع هذه العلاقات اليوم سيجد أنها تشهد تناغم وانسجام كبير في الرؤيتين، المصرية والأوربية، ليس فقط في مسألة العلاقات الثنائية، وإنما أيضاً تجاه الملفات والقضايا الإقليمية.
ومن تابع المؤتمر الصحفى السبت الماضى الذى ضم سامح شكرى وزير الخارجية ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، سيجد الكثير الذى يمكن أن يقال بشأن تطور العلاقات بين الجانبين، فشكرى كان واضحاً حينما حدد أسس السياسة المصرية التي وضعها الرئيس السيسى خاصة حينما قال أن مصر أكدت فى كثير من المناسبات أنها لا تقيم علاقات على أساس المشروطية، ولكن على أساس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول ووفقا لقواعد وميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية، و"أننا عندما نتعاون يكون ذلك على أرضية من التفاهم المشترك للتحديات التى تواجهنا"، مشيراً إلى أن وجود مصر قوية عسكريا أسهم بالتأكيد فى تحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة بل وفى الإطار الأوروبى، فما تستطيع مصر أن توفره من أمن واستقرار فى هذه المنطقة كان له مردودا مباشر على الأمن والاستقرار فى أوروبا، لافتا إلى أن تعزيز قدرات مصر فى هذا الشأن يصب أيضا فى نطاق تعزيز الأمن الأوروبى.
وشدد شكرى على " أن مصر سوف تظل تلعب هذا لدور وأيضا تعقب نفاذ التنظيمات الإرهابية إلى الساحة الأوروبية والاثر المدمر للحالات التى نفذت على المواطن الأوروبى والألمانى، وإذا كانت هناك رغبة فى تخفيض قدرة مصر فى ذلك فهذا القرار يتخذ من يتخذه وليس لنا إلا أن نجد الوسائل التى تمكننا من الدفاع عن أنفسنا، وفى أن نستمر فى الاطلاع بدورنا المسئول فى حفظ السلم والأمن فى الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم من خلال شراكات ايجابية تقوم على المصالح المشتركة ومتفق عليها ومتسقة مع القوانين الدولية".
هذه القاعدة التي استمعت لها الوزيرة الألمانية، وأيضاً العواصم الأوربية كلها، كان لها أثر كبير في تصحيح العديد من المفاهيم المغلوطة بشأن مسار العلاقات المصرية الأوربية، وهى مفاهيم بنى عليها الإعلام الغربة الكثير من التقارير التي استهدف من خلالها في الأساس ليس فقط ضرب العلاقة القوية بين الجانبين، وإنما حاول أن يضع القاهرة دوماً في ركن الدولة المتهمة دوماً، وهو قول لا يستقيم مطلقاً مع مكانة ودور مصر في حفظ الأمن والسلم الإقليمى والدولى، لذلك وجدنا الوزيرة الألمانية وهى تلتقط الرسالة بسرعة لترد عليها بتعبيرها عن شكرها للرئيس عبدالفتاح السيسي، وقولها أن هذه أول زيارة لها لمصر منذ توليها منصبها الحالي، و" أن القاهرة التى تنبض بالحياة مدينة مبهرة"، معبرة عن أملها فى زيارتها خلال الفترة المقبلة ولوقت أكثر، مؤكدة في الوقت نفسه أن مصر أهم شريك لبلادها فى المنطقة العربية وشمال أفريقيا، لذلك صممت على الإشارة أمام الجميع، بما فيهم الصحفيين الألمان الذين حاول بعضهم توجيه مسار الحديث إلى ما يهويه، فردت عليهم الوزيرة الألمانية بقولها أن الشراكة بين مصر وألمانيا مهمة ولا غنى عنها.
ما حدث مع الوزيرة الألمانية كان جزء من رسالة مصرية قوية لكل الشركاء، أن مصر أكبر من أي محاولة للتضيق عليها.
وكان لافتاً أن الأسبوع الماضى، فقط شهد تشعب قوى في العلاقات المصرية الأوربية من خلال زيارات متبادلة، بين الجانبين، كان من بينها زيارة الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك للقاهرة، ولقاءها الرئيس السيسى، حيث أكدت وزيرة خارجية ألمانيا اعتزاز بلادها بالعلاقات الوطيدة والمتميزة التى تربطها بمصر، باعتبارها محور الاستقرار والاتزان فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى جانب دورها الأساسى فى مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، فضلاً عن جهودها فى مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية والقيام بدور أخلاقى وإنسانى مقدر من خلال استضافة مصر لملايين اللاجئين وإدماجهم فى المجتمع وتوفير كافة الحقوق الأساسية لهم، بالإضافة إلى النجاح الكبير لمصر تحت قيادة الرئيس السيسى فى ترسيخ مبادئ حرية العبادة والتسامح الدينى وقبول الآخر، مما جعلها مثلاً أعلى ونموذجاً يحتذى إقليمياً ودولياً، ومشيرةً إلى حرص الحكومة الجديدة فى ألمانيا على دعم تلك العلاقات بما يضمن تعزيز الشراكة القائمة بين البلدين وتطويرها على مختلف الأصعدة، وكذا التنسيق بشـأن كافة الموضوعات والملفات الإقليمية محل الاهتمام المشترك.
وبدأ الأسبوع بزيارة قام بها الرئيس السيسى إلى مدينة "بريست" الفرنسية للمشاركة في قمة "محيط واحد" المعنية بالموضوعات البيئية، والتي نظمها الجانب الفرنسي؛ وعلى هامشها عقدت القمة المصرية الفرنسية بين الرئيسان السيسى وإيمانويل ماكرون، والتي ناقشت عدد من الموضوعات ذات الصلة بالعلاقات الثنائية الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، والتى شهدت تطورًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، خاصةً على الصعيد الاقتصادى والتجارى والعسكرى والأمنى، وكذلك تبادل الرؤى ووجهات النظر فى إطار التشاور المكثف بين مصر وفرنسا تجاه القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وأكد ماكرون للرئيس السيسى اعتزاز فرنسا بالعلاقات الوطيدة والمتميزة التى تربطها بمصر، والتى اكتسبت مزيدًا من قوة الدفع خلال الزيارات المتعددة التى قام بها الرئيس مؤخرًا إلى فرنسا، مما ساهم فى دعم مسيرة العلاقات بين البلدين الصديقين على نحو بناء وإيجابى، ومشددًا في الوقت نفسه على التزام الإدارة الفرنسية بمواصلة تعزيز أطر التعاون المشترك مع مصر فى مختلف المجالات، ومساندة الجهود الحثيثة للرئيس لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف فى المنطقة بأسرها.
وأكد الرئيس السيسى أن مصر تولى أهمية خاصة لتعزيز التعاون مع فرنسا فى مختلف المجالات، لاسيما ما يتعلق بنقل الخبرات والتكنولوجيا الفرنسية العريقة فى كافة المجالات التنموية إلى مصر، فضلًا عن تعظيم التنسيق والتشاور مع الجانب الفرنسى خلال الفترة المقبلة بشأن مختلف الملفات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، بما يساعد على صون الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط والقارة الأفريقية، خاصةً فى ظل الرئاسة الفرنسية الحالية للاتحاد الأوروبي.
وفى نهاية الأسبوع شارك الرئيس السيسى في الدورة السادسة لقمة المشاركة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي التي عقدت بالعاصمة البلجيكية بروكسل، التي عقدت هذا العام تحت عنوان "أفريقيا وأوروبا: قارتان برؤية مشتركة حتى 2030"، وخلال تواجده في بروكسل التقى الرئيس السيسى عدداً من المسئولين الأوربيين.
وخلال استقباله السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بمقر القصر الملكي ببروكسل، أكد الملك فيليب، ملك بلجيكا، حرص بلاده على تنمية العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، خاصةً في ظل الطفرة التنموية الملموسة التي تشهدها مصر، مشيداً في الوقت نفسه بالدور المحوري الذى تضطلع به مصر على صعيد ترسيخ الاستقرار فى الشرق الأوسط وأفريقيا، خاصةً في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب وتحقيق التعايش بين الأديان ودعم الحلول السلمية للأزمات القائمة بمحيطها الإقليمي.
وخلال لقاءه مع الرئيس السيسى، أكد شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، اهتمام الجانب الأوروبي بتعزيز العلاقات مع على مختلف الأصعدة، خاصةً في ظل كون مصر همزة الوصل بين العالمين العربي والأوروبي، وبالنظر إلى الثقل السياسي الذي تتمتع به دولياً وإقليمياً، مشيداً في الوقت نفسه بجهود مصر في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، مؤكداً تقدير الاتحاد الأوروبي لهذه الجهود في التعامل مع ذلك الملف، خاصةً أن مصر تعد نموذجاً ناجحاً في المنطقة في هذا الصدد تحت القيادة الحاسمة والحكيمة من الرئيس السيسى.
من جانبه أكد الرئيس السيسى على المكانة المهمة التي يتمتع بها الاتحاد الأوروبي في إطار السياسة المصرية، والتي ترتكز على الاحترام والتقدير المتبادل وذلك في ضوء الروابط المتشعبة التي تجمع بين الجانبين والتحديات المشتركة التي تواجههما على ضفتي المتوسط، معرباً عن تطلع مصر لتعزيز التعاون المشترك مع الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وفقاً لمقاربة شاملة تعالج الجذور الرئيسية للإرهاب والتطرف.