"أبو العروسة" يفوز فى معركة الوعي والأخلاق

السبت، 12 فبراير 2022 11:30 م
"أبو العروسة" يفوز فى معركة الوعي والأخلاق
مصطفى الجمل

المسلسل قدم جرعة درامية اجتماعية لمست قلب الجمهور وأعاد للبيوت دفء التجمع حول التليفزيون وللشفاه البسمة المفقودة 
 
تابعنا على مدار موسمين 120 حلقة، قسموا على جزئين من المسلسل الدرامي الاجتماعي "أبو العروسة"، التى تنتجه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ويذاع على قناة DMC، ومنصة WATCH IT ، التي باتت تنافس المنصات الإعلامية المتخصصة في تقديم خدمات ترفيهية عبارة عن أفلام ومسلسلات وبرامج حصرية. 
 
حقق المسلسل على مدار موسمين ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، والأهم أنه استطاع الوصول لكل بيت مصري ببساطته، وتماسك قصته من البداية حتى النهاية، وما يستهدفه من إعادة إحياء قيم اجتماعية كادت أن تندثر بفعل عوامل تعرية كثيرة، ومنذ ما يقرب من 10 أيام بدأ إذاعة الموسم الثالث من المسلسل، وسط ترحيب من متابعيه الذين كانوا يطالبون طوال الفترة الماضية باستكمال المسلسل، وكانت هناك بعض التخوفات الفنية من أن يبفقد المسلسل بريقه وما أحرزه من نجاح خلال الموسمين، بالوقوع في أخطاء يحذر منها النقاد لأي عمل فني وصل إلى القمة، واتجه منتجوه إلى استكماله نزولاً على رغبة الجماهير، وكانت المفاجأة، وللحقيقة هي ليست واحدة، بل عدة مفاجآت. 
 
الأولى والأكبر والأهم، مواصلة صناع المسلسل الحفاظ على تماسكه، وتماسك قصصه في كل حلقة دون إسهاب ممل أو تطويل بلا داعي درامي، فعاد التشويق بمجرد ظهور بطلي المسلسل "عايدة وعبد الحميد"، الذي يقوم بدورهما الفنانة المخضرمة سوسن بدر، والقدير سيد رجب.  
عادت الجماهير تنتظر قصص الاثنين اليومية، وما بينهما من مواقف خلافية وأخرى زوجية ترسخ لسنن الزواج الحسنة، وكيف يعامل الرجل زوجته والعكس، وكيف هما لا يخشيان مقالب الحياة طالما أنهما كتفاً لكتف، ويتقون الله في تربية أبنائهما ومعاملة أقاربهمها وأصدقائهما وجيرانهما، وكيف هما قابضان بيديهما المتشققتان على حب بلدهما. 
 
عاد المسلسل بجرعة كوميدية، زائدة عن مثيلاتها في الموسمين المنصرمين، مواقف لا تكل من الضحك عليها، تضحك من قلبك وكأنك أنت بطلها، نظراً لتقاربها الشديد من المواقف التي نمر بها جميعا، تشعر وأبطال المسلسل يلقون "الايفيهات" وكأنهم لا يمثلون ولا يتكلفون، يلقونها بكل تلقائية وطبيعية فتخر من القلب للقلب. 
 
قرار رفع الجرعة الكوميدية بالمسلسل يراه النقاد مخاطرة ومغامرة، لكنها محسوبة ومحبوكة، فلم تزد عن الحد المطلوب، ولم تتغلف بما هو سمج ينفر المشاهد. 
أعاد سيد رجب ورفاقه الأسرة المصرية مرة أخرة للتجمع أمام شاشة التليفزيون لمشاهدة عمل درامي خارج السباق الرمضاني، يتسامرون حول المواقف التي أتى بها المسلسل ومرت على كل البيوت المصرية. 
 
نجح سيد رجب ورفاقه في إعادة الدفء للبيوت والبسمة للشفاه دون أن يشعروا، لا لشيء سوى أنهم حرصوا على تقديم جرعة فنية بسيطة، دون تكلف أو بهرجة أو اللجوء للخروج عن النص لجذب اللايكات والشيرات، فعلوا ما كان يفعله محمد صبحي بسلسلته الشهيرة "يوميات ونيس"، ونقلوا الواقع الأعم والأشمل والأجمل لنسيج المصريين، لم يميلوا للغوص فيما هو نادر ومنبوذ، ولا يعبر سوى عن فئة قليلة هي في الأساس منبوذة مجتمعية وغير مرضي عنها، ويلفظها القاصي والداني. 
 
والحديث عن الجرعة الكوميدية لا يمكن أن يغطي على جرعة القيم الأخلاقية والتربوية، التي استهدفت شريحة نحن في أمس الحاجة لأن نلتفت لها ونركز معها، ونضاعف الجهد لتنشأتها وتقويمها، ونقدم لها اليد العون ليكونوا هم حماية الراية عما قريب، تلك الشريحة العمرية التي سقفها سن الثامنة عشر. 
 
هؤلاء الأطفال التعامل معهم على أنهم أطفال من أجيال سابقة سذاجة منقطعة النظير، هؤلاء ترعروا في أجواء مختلفة، تحت أيديهم مصادر للمعلومات لا يمكن حصرها، إن تركتهم منهم لها مباشرة هلكوا وإن منتعهم تطرفوا، وهنا أقدم عبد الحميد "سيد رجب" على خطوة ذكية في التعامل مع نجله الأصغر مرزوق. 
 
اعتبر عبد الحميد نفسه في اختبار وعليه أن يذاكر ويقرأ ويجتهد لإيجاد الطريقة المثلى للتعامل مع مرزوق، فلا يتلصص عليه كالرقيب الخائب، ولا يتركه لأصدقاء السوء وصفحات التيك توك وفيسبوك التي لا يعلم أحد من ورائها وما هدفها، وماذا قد تفعل بأطفالنا إن جذبتهم لها، وقررت أن تسيرهم وفق أهوائها.
 
وبعد فترة وجد عبد الحميد الطريقة الصحيحة للتعامل مع مرزوق، جالسه وصادقه واقترب منه وعرف كيف يفكر ومن يصادق، وما هو المفضل له على مواقع التواصل الاجتماعي، وما هو المفيد منه وما المضر، ونصحه بطريقة عملية يستوعبها ذلك الطفل، الذي قرر أن يدخل في علاقة عاطفية وهو لم يكمل الـ 13 عاماً، فعرض أمامه أبيه الموقف إن كانت شقيقته مكان تلك الفتاة التي يحبها، هل سيوافق مرزوق؟، قطعا استشاط الطفل غضباً غيرة على شقيقته، وقرر أن يتوقف عن تلك العلاقة، التي أدلته في تشاجر مع أصحابه، كاد أد يضر به. 
 
واصل المسلسل غرس قيم الصداقة، التي هي كنز الحياة الحقيق وزينتها الثالثة بعد "المال والبنون"، فلا زال عبد الحميد وعايدة محافظين على التعامل مع أصدقائهم وكأنهم من دمهم، يصلوهم ويقفون بجوارهم في المشكلات والمواقف الصعبة، ويحرصون على تجميعهم في كل مناسبة وبلا مناسبة، لا لشيء سوى أن ينتزعوا من هذه الحياة القاسية لحظات سعادة قد لا تتكرر. 
 
لم يربح أبو العروسة الرهان على النجاح بالعرض خارج السباق الرمضاني فقط، بل ربح رهانات كثيرة، أفنينا فيها الكثير من المقالات والكتب ولم نصل لشيء سوى العدم، بتوليفة بسيطة نجح المسلسل في توصيل رسائل كثيرة نحن في أمس الحاجة لها خلال الفترة الحالية، وهذا يهدم أسطوة أن العمل الفني الجيد يجب أن يمسه من اليمين ومن اليسار ومن أسفل ومن أعلى غرائب المجتمع وما هو شاذ عن قواعده الأصلية حتى يجذب الانتباه، ويحقق مشاهدات مرتفعة، ويجني إيرادات مأهولة. 
 
أثبت أبو العروسة أن الدراما تحتاج لسيناريوهات تتعلق بالدراما الاجتماعية التي تمس المجتمع المصري الذي نعيش فيه، لأن هذا ما يهم الجمهور، وعندما يوجد عمل من قلب المجتمع تجد الجميع يلتف حوله لأنه يعبر عنهم، فالأمر يختلف تمامًا عندما يتم تقديم عمل مختلف واجتماعي من قلب المجتمع، ويتعلق الجمهور بالعمل الذي يقدم صورة حقيقة وصادقة من قلب الجمهور. 
 
المسلسل يكتبه ويخرجه هانى كمال، ويشارك فى بطولته سيد رجب، سوسن بدر، مدحت صالح، نرمين الفقي، رانيا فريد شوقى، خالد كمال، ميدو عادل، ولاء الشريف، محمود حجازي، أحمد صيام، صفاء الطوخي، محمد حاتم، أماني كمال، ديانا هشام، وكارولين عزمي، كوكى مجدى، نانسى صلاح، ندا عادل.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق