يوسف أيوب يكتب: ماذا بعد القمة المصرية الصينية وزيارات رؤساء جيبوتى والسنغال والجزائر للقاهرة؟

السبت، 12 فبراير 2022 07:00 م
يوسف أيوب يكتب: ماذا بعد القمة المصرية الصينية وزيارات رؤساء جيبوتى والسنغال والجزائر للقاهرة؟

مصر تعمل على تأمين أمن المنطقة والقارة الأفريقية حتى لا تتأثر سلباً بما يحدث من مناوشات قوية تدور رحاها بين القوى الكبرى
 
 
من بكين إلى القاهرة واصلت مصر سياساتها الخارجية الراسخة التي تعتمد على فكرة التنويع، لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار والامن للأقليم، بل وللمجتمع الدولى، في وقت تشهد فيه كافة الملفات التهاباً وسخونة لا يتوقع أحد ماذا ستكون نتيجته غداً، ومن هنا برزت التحركات المصرية التي تستهدف لم الشمل، والبحث عن القواسم المشتركة التي تصل في نهاية المطاف إلى فتح أفاق للتعاون المشترك بين الجميع، ووضع حد للصراعات والخلافات الدولية، التي تصيب أول ما تصيب الشعوب.
 
السبت الماضى، شهدت قاعة الشعب الكبرى بمدينة بكين، جلسة المباحثات المصرية الصينية بين الرئيس عبد الفتاح السيسى ونظيره الصيني "شي جين بينج" الذى رحب بزيارة الرئيس السيسى إلى بكين، التي قال عنها "من شأنها أن تساهم في تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين، لاسيما فيما يتعلق بالتعاون التنموي المشترك"، مثمناً ما تشهده الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين من تطور إيجابي على جميع الأصعدة، خاصة فى المجالات الاقتصادية والتجارية، فضلاً عن تعزيز التواصل والتشاور السياسي بين الدولتين حول الموضوعات الإقليمية والدولية، ومؤكداً أن الصين تولي لعلاقاتها مع مصر أهمية خاصة بالنظر لمحورية دور مصر في محيطها الإقليمي على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا وشرق المتوسط.
 
هذه الرسالة من جانب الرئيس الصينى، هي تأكيد على نجاح السياسة الخارجية المصرية، التي وضع قواعدها واسسها الرئيس السيسى بعد 2014، من خلال تنويع علاقاتنا الخارجية، وعدم الاكتفاء بالتوجه نحو عاصمة واحدة، بل توسيع العلاقات الدولية، بما يصب في نهاية المطاف في اتجاه تمتين علاقات مصر الدولية، ويحقق الهدف المصرى الأساسي وهو أن يسود الاستقرار والأمن المجتمع الدولى.
 
وفي رده على ما قاله الرئيس الصينى، أكد الرئيس السيسى حرص مصر للبناء على قوة الدفع الناتجة عن اللقاءات المنتظمة التي تعقد بين كبار المسئولين في مصر والصين، سعياً نحو الوصول بالتعاون الثنائي إلى آفاق أرحب من التنسيق والتعاون المشترك في العديد من المجالات، خاصةً التنموية والاقتصادية والتجارية، ولجذب المزيد من الاستثمارات الصينية استغلالاً للفرص الاستثمارية الواعدة المتوفرة حالياً في مصر في مختلف القطاعات، أخذاً في الاعتبار ما تتمتع به الشركات الصينية في مصر من سمعة طيبة، وكونها أحد أهم مصادر الاستثمارات الأجنبية المباشرة والخبرة التكنولوجية المتقدمة في عدد من القطاعات الاقتصادية المصرية.
 
والشاهد أنه خلال القمة المصرية الصينية تم بحث سبل تعزيز التعاون القائم بين البلدين في عدد من المجالات من بينها أنشطة البحث العلمي ونقل التكنولوجيا المرتبطة بالصناعات الدوائية، وتصنيع لقاحات كورونا، والتقنيات الصناعية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والسيارات الكهربائية، فضلاً عن تعظيم التعاون والتنسيق بين جهات تقديم الرعاية الصحية بالبلدين لنقل الخبرات الصينية في مكافحة جائحة كورونا، وكذلك سبل تعزيز التبادل التجاري بين البلدين فضلاً عن استعراض المشروعات المشتركة فى المجالات المختلفة والتقدم المحرز فى تنفيذها، حيث توافق الرئيسان على أهمية الدور الذي تضطلع به المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في تعزيز مبادرة الصين "الحزام والطريق" ودعم تحقيقها للأهداف المرجوة منها، خاصةً من خلال المنطقة المصرية الصينية للتعاون الاقتصادي والتجاري، والتي تساهم في دفع جهود مصر لتوظيف الموقع الاستراتيجي الهام لمحور قناة السويس سعياً لأن يصبح مركزاً لوجستياً واقتصادياً عالمياً.
 
منذ فترة وهناك مطالبات كثيرة بأن تعود "رياح الشرق" لتغلف علاقات مصر الخارجية، والمقصود هنا إن تعيد مصر علاقتها مع الصين وفق اتفاق شراكة استراتيجية بين الدولتين، اخذاً في الاعتبار أن الصين أحد القوى الكبيرة المؤثرة في القرار الدولى، ولأن الرئيس السيسى يدرك جيداً أن مصر دولة قوية، ومستقل في قراراها وإرادتها، فقد خط للسياسة الخارجية المصرية منذ 2014 خطاً أعاد لمصر روقنها وقوتها في محيطها الأقليمى، وفى السياسة الدولية، وكانت الصين جزء أصيل من هذه التحركات.
 
الصين تضع مصر فى مكانة خاصة
 
ومن المعروف أن علاقة مصر بالصين قديمة، لكنها مؤخراً بدأت تأخذ مسارات أكثر قوة، بعدما دشن الرئيسان السيسى وبينج الشراكة الاستراتيجية الشاملة، خلال أول زيارة للرئيس السيسى إلى الصين فى ديسمبر 2014، ووقع الجانبان فى البرنامج التنفيذى للشراكة الذى استمر حتى 2020، وخلال هذه الفترة كان هناك تعاونا مكثفا فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية توج بالتعاون فى مواجهة جائحة كورونا، والعام الماضى احتفلت الصين ومصر بالذكرى الـ65 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر، وأكد السفير الصينى بالقاهرة لياو ليتشانج فى أكثر من مؤتمر صحفى عقد خلال العام 2021، أن الصين تضع مصر فى مكانة خاصة، حيث أن العلاقات الثنائية نموذجًا يحتذى به وتتسم بالتعاون والتضامن والمنفعة المتبادلة والمكاسب المشتركة، وأكد أن بلاده ومصر تلتزمان بالاحترام المتبادل والتنمية المشتركة، وأنهما قطعا شوطًا طويلًا منذ إقامة العلاقات، حيث تعززت الثقة المتبادلة بين البلدين، وأصبحت بكين والقاهرة صديقتين وشريكتين يعتمد عليهما فى مساندة إحداهما للأخرى.
 
والمتابع لزيارة الرئيس السيسى إلى بكين الأسبوع الماضى، سيجد أنها تزامنت مع انطلاق دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية، وسط حالة من الترقب سيطرت علي الولايات المتحدة بسبب القمة التي جمعت الرئيس الصيني شي جين بينج، ونظيره الروسي فلادمير بوتين، في وقت تسود فيه حالة من التوتر بين واشنطن وموسكو بسبب الأزمة الأوكرانية، خاصة أنه بعد هذا اللقاء أكدتا روسيا والصين، فى بيان ختامى مشترك على دخول ‏العلاقات الدولية حقبة جديدة، وأعربتا عن قلقهما حيال تحالف "أوكوس" كونه يزيد من خطر ‏سباق التسلح فى المنطقة ويخلق مخاطر انتشار الأسلحة النووية‎، كما جاء فى البيان الختامى تأكيد على إصرار روسيا والصين فى أن تقوم الولايات المتحدة بالتخلص وبشكل سريع من ‏مخزون أسلحتها الكيماوية، مضيفًا : "تصر روسيا والصين على أن الولايات المتحدة، بصفتها الدولة ‏الطرف الوحيدة فى الاتفاقية التى لم تستكمل عملية تدمير الأسلحة الكيماوية، أن تسرع فى إزالة ‏مخزونها من الأسلحة الكيماوية".
 
من هنا جاءت أهمية زيارة الرئيس السيسى لبكين، فالخريطة الدولية تشهد تغيرات متعاقبة، بل هناك تهديدات نسمع صداها في عواصم مختلفة بأن العالم مقبل على صدام عسكرى وشيك، بسبب ما يحدث اليوم في "أوكرانيا"، وخير شاهد على ذلك ما قالته صحيفة واشنطن بوست فى تقرير لها بإن العلاقات الوثيقة بين الصين وروسيا تمثل صداعا لواشنطن.
 
ما قالته الصحيفة الأمريكية وثيقة الصلة بمراكز صنع القرار بواشنطن يؤكد حالة التوتر الدولى الناشبة حالياً بين القوى الكبرى "الولايات المتحدة والصين وروسيا"، وهو ما يتطلب ان يكون هناك صوت عاقل يعمل على تجنيب العالم كارثة عسكرية أخرى، كما ان هذا الصوت يكون له علاقات قوية ووثيقة بالأطراف الثلاثة، ومن هنا تأتى أهمية القمة المصرية الصينية.
 
قواسم مشتركة في زيارة رؤساء جيبوتى والسنغال والجزائر للقاهرة
 
ومن بكين إلى القاهرة استقبل الرئيس السيسي الاثنين الماضى، بقصر الاتحادية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، وأكد له حرص مصر على تعزيز العلاقات وترسيخ التعاون الاستراتيجي مع جيبوتي في شتي المجالات لإقامة شراكة مستدامة بين البلدين، بما يعكس مزيداً من التنسيق والتعاون فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي والعمل التكاملي لإرساء السلام والاستقرار في المنطقة، وكذلك أهمية تطوير مشروعات التعاون الثنائي بين الجانبين خلال الفترة المقبلة، مع تذليل كافة العقبات لاسيما في قطاعات البنية التحتية والطاقة والصحة والطيران والتعليم والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن زيادة الاستثمارات البينية والارتقاء بمعدلات التبادل التجاري بين البلدين، بما فيها من خلال تعزيز جهود إنشاء المنطقة اللوجستية المصرية في جيبوتي إلى جانب تكثيف برامج الدعم الفني المقدمة إلى الجانب الجيبوتي، بالإضافة إلى تنويع وتعزيز أطر التعاون المشترك في المجالين العسكري والأمني بين البلدين، وكذا مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.
 
رئيس جيبوتى خلال القمة أعرب عن تطلع بلاده المتبادل لتطوير العلاقات الثنائية مع مصر على مختلف الأصعدة، خاصةً في الوقت الراهن الذي تشهد فيه منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر تحديات متلاحقة، الأمر الذي يفرض تكثيف التعاون والتنسيق مع مصر وقيادتها على خلفية الثقل المحوري الذي تمثله مصر في المنطقة بأسرها على صعيد صون السلم والأمن، فضلاً عن حرص مصر المستمر على تلبية الاحتياجات التنموية لبلاده، وفي ختام المباحثات، شهد الرئيسان مراسم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين الشقيقين في مجالات التشاور السياسي، والطاقة والموارد المتجددة، وإنشاء المنطقة اللوجستية المصرية في جيبوتي.
 
والمعروف أن زيارة جيلة للقاهرة جاءت بعد زيارة قام بها الرئيس السيسى إلى جيبوتى شهر مايو 2021، وهو ما يؤكد استمرار التواصل والتنسيق المستمر بين البلدين، وهو التواصل الذي يؤكد على ما يجمعهما من علاقات استراتيجية ممتدة على كافة الأصعدة، مدعومة بإرادة سياسية قوية ومتبادلة للارتقاء بها وتعزيزها.
 
وخلال تواجد رئيس جيبوتى بالقاهرة تم الحديث حول التقدم المحرز في مشروعات التعاون الثنائي بين البلدين، واتفقا على أهمية العمل المشترك نحو توفير الدعم اللازم لزيادة الاستثمارات المتبادلة، ومساهمة الشركات المصرية في جهود التنمية الاقتصادية في جيبوتي، وجهود افتتاح فرع بنك مصر هناك خلال الفترة المقبلة، وأكدا على ضرورة الدفع قدماً لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، وجهود إنشاء منطقة لوجستية مصرية في جيبوتي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات النقل وربط الموانئ، حيث تابعا الجهود الرامية إلى تسيير خط طيران مباشر بين القاهرة وجيبوتي، إلى جانب التعاون المشترك في مجالات التعليم، والتعليم العالي، والصحة، بالإضافة إلى التعاون في مجال مكافحة الفكر المتطرف وتأهيل الدعاة، عبر نشر قيم الإسلام الوسطية من خلال المؤسسات الدينية العريقة بالبلدين، وعلى رأسها الأزهر الشريف، كما أكد الرئيس السيسى، على التزام مصر بالاستمرار في دعمها لأشقائها في جيبوتي والعمل على توفير التدريب وبناء قدرات الكوادر في مختلف المجالات من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية بالتعاون مع مختلف الجهات المصرية. 
 
ولمن لا يعلم فإن جيبوتى دول عربية أفريقية في موقع متميز وحاكم، وتطل على منطقة هامة جدا بالنسبة لأمن البحر الأحمر، وحركة التجارة الدولية والممر المائى القريبة منه، فهى تحتل موقع استراتيجي وتطل على مدخل البحر الأحمر من الجنوب مثل مصر وعدد من الدول الافريقية والعربية التي تطل على البحر الأحمر، كما تعانى منطقة القرن الأفريقي من التنظيمات المتطرفة والإرهابية في تلك المنطقة، وهو ما يتطلب العمل على ترسيخ الأمن والاستقرار في تلك المنطقة المهمة من قارتنا، إضافة إلى تكثيف التعاون والتنسيق فيما يتصل بأمن البحر الأحمر، وأعادة التأكيد على مسئولية الدول المشاطئة عن صياغة كافة السياسات الخاصة بذلك الممر المائي الحيوي من منظور متكامل يأخذ في الاعتبار مختلف الجوانب التنموية والاقتصادية والأمنية.
 
لذلك يمكن النظر إلى القمة المصرية الجيبوتية على انها امتداد للتحرك المصرى الجيد على محور الأمن القومى، من خلال امتلاك استراتيجية خاصة بأفريقيا، وهى سياسة التنمية ومحاولة المساعدة لاستقرار الدولة الداخلى، أخذا في الاعتبار أن الأمن القومى المصرى يمتد لمنطقة القرن الأفريقى وحوض النيل.
ولا يخفى على أحد وجود رابط قوى بين زيارة جيلة للقاهرة، ومن قبلها زيارة رئيسا الجزائر والسنغال، فهناك بالتأكيد قاسم مشترك بين الزيارات الثلاثة، كونها تأتي في إطار أهمية مصر الاستراتيجية ودورها المركزي في تحقيق وأمن واستقرار المنطقة والدول الأفريقية.
 
السؤال الآن، ما هي علاقة زيارة الرئيس السيىسى لبكين، وزيارات رؤساء جيبوتي والسنغال والجزائر للقاهرة؟.. بالتأكيد هناك علاقة واضحة، سبق الإشارة إليها في أكثر من مناسبة، وهى ان مصر وهى تتحرك دولياً، فإنها تركز في الأساس على دعم أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، وقضايا التنمية بالقارة الأفريقية، مع الإشارة هنا إلى أنه معروف تاريخياً ان اى صدام سياسى او عسكري دولي أول منطقة تتأثر به هي الشرق الأوسط، وبالتبعية لها افريقيا خاصة منطقة القرن الأفريقي التي تشهد حالة من التوتر الشديد، وهى الحقيقة التي تدركها القاهرة جيداً، لذلك فإنها وهى تتحرك دولياً، فإنها تعمل دوماً على تأمين أمن المنطقة والقارة الأفريقية، حتى لا تتأثر سلباً بما يحدث من مناوشات قوية تدور رحاها في الوقت الراهن بين القوى الكبرى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق