مصر وفرنسا.. تعاون عسكري مشترك قاده "السيسي" وتطور كثيراً منذ عام 2014
الجمعة، 11 فبراير 2022 09:30 صإسلام ناجي
تحظى مصر وفرنسا بعلاقات متميزة على كافة المستويات، خاصة الجانب العسكري، في ظل توافق بين البلدين على مواجهة التحديات الأمنية المشتركة والإرهاب والتطرف.
وتمثل العلاقات العسكرية بين البلدين دفعة قوية مرتبطة بالأزمات الإقليمية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات والسلاح، بخلاف عمليات التدريب المشترك المستمرة بشكل دوري، خاصة منذ عام 2014 مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية.
ورغم أن الزخم الأساسي لهذه العلاقات العسكرية المصرية الفرنسية بدأ منذ عام 2014، فإن التعاون في المجال العسكري بين البلدين يرجع إلي سبعينيات القرن الماضي، منذ أن استعان محمد علي باشا (1849-1769) مؤسس الأسرة العلوية التي حكمت مصر حتى 1952، بضباط فرنسيين لتأسيس جيش مصري حديث وبحرية مصرية حديثة.
وفي حرب أكتوبر 1973، كان التسليح المصري في غالبيته، يتكون من أسلحة سوفيتية الصنع، ودعت ضرورات المعركة، ورغبة سلاح الجو المصري في الاستفادة من المقاتلات القاذفة الفرنسية الصنع (ميراج 5)، التي تعاقد عليها سلاح الجو الليبي أوائل عام 1970، إلى بدء الطيارين المصريين الذين كانوا سابقًا عاملين على متن القاذفات السوفيتية الصنع (سوخوي 7)، عمليات مكثفة للتدريب على المقاتلات الفرنسية في ليبيا، بداية من عام 1971.
وكانت مقاتلات "ميراج 5" في ذلك التوقيت طفرة في عالم الطائرات المقاتلة، نظرًا لحمولتها الكبيرة من الذخائر، وجمعها بين المهام الاعتراضية ومهام القاذفات، بجانب مداها الطويل وثورية بدنها الذي وفر لها مرونة كبيرة في الاشتباكات الجوية القريبة، خاصة وأن بعض أنواعها كان مزودًا برادار متقدم، كانت تفتقر إليه المقاتلات السوفيتية التي كانت موجودة في التسليح المصري في ذلك التوقيت، ومن هنا بدأت قصة القوات المسلحة المصرية المعاصرة مع الأسلحة الفرنسية الصنع.
وتفوق سلاح الجو الإسرائيلي، الذي كان يمتلك مقاتلات الميراج 5 أيضًا، بأعداد وصلت إلى 61 مقاتلة، أجرى عليها بعض التعديلات وطورها تحت اسم (نيشر)، ولهذا قامت المقاتلات المصرية من نوع (ميج 21)، بالتدرب مع طائرات الميراج 5 في ليبيا، على تكتيكات الاعتراض الجوي والاشتباك القريب، وهذا بشكل أساسي ساهم في الأداء المميز لمقاتلات الميج 21 خلال حرب أكتوبر، التي تفوقت حتى على مقاتلات كانت تعد في ذلك التوقيت الأحدث والأفضل على الإطلاق عالميًا، وهي مقاتلات (أف-4) الأمريكية الصنع، ناهيك عن مشاركة طائرات الميراج في معارك أكتوبر، بعد وصول تسعة عشر طائرة منها إلى مصر منتصف عام 1973، باتفاق مع ليبيا، وتشكيلها السرب التاسع والستين مستقل، الذي نفذ عمليات قصف واستطلاع خلال الحرب انطلاقًا من قاعدة طنطا الجوية.
ومن هنا بدأت قصة القوات المسلحة المصرية المعاصرة مع الأسلحة الفرنسية الصنع، ما دفع قيادة سلاح الجو المصري إلى التعاقد مع فرنسا عام 1974، على شراء مجموعه 68 مقاتلة من هذا النوع، تسلمتها مصر على ثلاث دفعات أعوام 1975 و1977 و1983، وظلت هذه الطائرات في الخدمة لدى سلاح الجو المصري حتى العام الماضي، وخلال هذه الفترة قام سلاح الجو المصري بتحديث هذه المقاتلات محليًا تحت إسم (حورس).
وعام 1983، تعاقد سلاح الجو المصري على شراء 20 مقاتلة متعددة المهام من نوع (ميراج 2000)، كانت هذه بشكل فعلي آخر الصفقات الأساسية بين البلدين، وظلت التعاملات التجارية العسكرية فيما بينهما خلال حقبة التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة، مقتصرة على شراء ذخائر أو قطع غيار خاصة بمنظومات الدفاع الجوي أو الطائرات الفرنسية الصنع.
وفي عام 2015، عادت العلاقات العسكرية بين الجانبين إلى التطور بشكل كبير، حين وقع سلاح الجو المصري مع فرنسا صفقة لشراء 24 مقاتلة من نوع (رافال)، تسلمتها في الفترة ما بين عامي 2016 و2019. هذه المقاتلة تعتبر من أهم الإضافات التي دخلت في الخدمة لدى القوات الجوية المصرية خلال العقود الماضية، نظرًا لأنها مقاتلة تمتلك القدرة على تنفيذ كافة المهام الجوية بما في ذلك مهام الاعتراض الجوي وفرض السيطرة الجوية والقصف الارضي والإسناد القريب والمهام المضادة للقطع البحرية.
يضاف إلى ذلك تمتعها ببصمات رادارية وحرارية منخفضة، توفر لها القدرة على تنفيذ عمليات اختراق الدفاعات الجوية والقصف الجراحي للمواقع الشديدة الأهمية، والتي من أبرز مميزاتها أيضًا تمتعها بحمولة قياسية من الأسلحة والذخائر، تصل زنتها إلى تسعة أطنان ونصف، موزعة على أربعة عشر نقطة تعليق خارجية، ويبلغ مداها العمليات الأقصى 3700 كيلو متر، وهو مدى يوفر لها القدرة على تنفيذ عمليات خارج الحدود المصرية بكفاءة وفعالية.
وفي نفس العام تعاقدت البحرية المصرية على عدة قطع بحرية فرنسية، على رأسها سفينتي الهجوم والإنزال البرمائي من الفئة (ميسترال)، وهي إضافة حيوية وتاريخية لقدرات البحرية المصرية، التي باتت تمتلك الآن قدرات برمائية قتالية تسمح لها بتنفيذ عمليات متكاملة في نطاق بعيد عن القواعد البحرية المصرية، وبهذا انتقل سلاح البحرية المصرية إلى مرتبة أعلى في التصنيف العسكري البحري ليصبح قادرًا على العمل في نطاق سواحل الجمهورية وفي البحار والمحيطات التي تقع في الحد الإقليمي لها بعد أن كان يصنّف في السابق على أنه بحرية تعمل في نطاق (الأنهار والسواحل) فقط مثل أغلب أسلحة البحرية في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وتسلمت مصر كلا السفينتين عام 2016، وأصبحت بذلك الدولة العاشرة على مستوى العالم التي تمتلك حاملات للمروحيات أو الطائرات، والدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الجزائر، التي تمتلك مثل هذا النوع من أنواع السفن الحربية.
وفي نفس العام أيضاً، أبرمت مصر عقدًا تسلّمت بموجبه فرقاطة فرنسية مُتعدّدة المهام من الفئة (فريم)، مسلّحة بالنسخة الثالثة من صواريخ (أكسوسيت) المُضادّة للقطع البحرية، وقاذفي طوربيدات من عيار 323 ملم، بجانب صواريخ (أستر 15) للدفاع الجوي، ومدافع من عيار 20 و76 ملم.
كما تعاقدت في نفس العام على شراء أربعة طرّادات صاروخية من الفئة (جويند-2500)، تم تصنيع أحدها في فرنسا، والثلاثة المتبقيين تم تصنيعهم في الترسانة البحرية بالإسكندرية، وتتميّز هذه الفئة من الطرّادات بتسليح ممتاز يضع في الحسبان كافة أنواع التهديدات، حيث تتسلّح بمدافع من عيار 20 و76 ملم، بجانب 16 خلية لإطلاق صواريخ الدفاع الجوي من نوع (ميكا)، وثمانية صواريخ مُضادّة للسفن من نوع (أكسوسيت)، وأنابيب لإطلاق الطوربيدات المُضادّة للغوّاصات.
وعلي مستوي المناورات والاجتماعات الدورية، وقع البلدان على مدار العقود الماضية، العديد من اتفاقيات التعاون العسكري، أبرزها اتفاق للتعاون العسكري والفني تم توقيعه خلال زيارة وزير الدفاع الفرنسية أليو ماري إلى مصر في يونيو 2005، ويتم بشكل سنوي مناقشة أوجه التعاون العسكري بين الجانبين من خلال اجتماعات دورية تعقدها اللجنة العسكرية المشتركة بين البلدين، وهي لجنة تم تأسيسها عام 1988، ويرأسها من الجانب الفرنسي نائب رئيس العلاقات الدولية في هيئة أركان حرب القوات المسلحة الفرنسية، ناهيك عن اجتماعات سنوية أخرى تُعقد في باريس بين وزراء دفاع ورؤساء أركان جيوش كلا الجانبين، كما ينفذ كلا البلدين ما متوسطة 50 نشاط عسكري مشترك، ما بين التدريب والحوار الاستراتيجي والاجتماعات على مستوى كبار القادة والمناورات العابرة والأساسية.
وعلى مستوى التدريبات العسكرية المشتركة، يجرى كلا الجانبين بشكل سنوي منذ عام 2014، التدريب البحري المشترك (كليوباترا)، وتم عقد آخر دوراته في أبريل 2019 بالمياه الإقليمية الفرنسية، وأطلق على هذا التدريب اسم (كليوباترا – جابيان 2019)، كما ينفذ كلا البلدين تدريبات مشتركة رئيسية بشكل دوري تحت أسماء (نفرتاري) و(رمسيس)، من أمثلتها تدريب (رمسيس 2016)، الذي تم في شهر مارس 2016، شاركت فيه عناصر من القوات الجوية والبحرية المصرية والفرنسية أمام سواحل مدينة الإسكندرية.
هذا بالإضافة إلى المشاركة الفرنسية المستمرة في تدريبات عسكرية مشتركة تشارك فيها مصر، مثل تدريبات (النجم الساطع) ومناورات (ميدوزا) البحرية والجوية.
يضاف إلى ما سبق، كم كبير من التدريبات البحرية والجوية العابرة، منذ عام 2014، منها إجراء القوات البحرية المصرية تدريبا عابرا مع الفرقاطة الفرنسية (فوربن) بالبحر الأحمر، في أول نشاط لقاعدة (برنيس) البحرية المصرية، وتدريبًا عابرًا على مكافحة الألغام، شاركت فيها سفينة مكافحة الألغام المصرية (البرلس) وكاسحة الألغام الفرنسية (CAPRICORNE).
ونفذت القوات البحرية المصرية تدريبًا عابرًا أوسع نطاقًا مع البحرية الفرنسية، شمل مرحلتين، في الأولى تم التدريب في نطاق مسرح عمليات البحر المتوسط، بهدف تعزيز إجراءات الأمن البحري في البحر المتوسط، وتبادل الخبرات بين القوات البحرية المصرية والفرنسية، وفي المرحلة الثانية عبرت الوحدات البحرية لكلا الجانبين قناة السويس، ونفذت أنشطة تدريبية في مسرح عمليات البحر الأحمر، منها التدريب على عمليات لمكافحة الألغام وعمليات إنقاذ وإخلاء المصابين، وعمليات الاعتراض البحري.
ونفذت القوات البحرية المصرية والفرنسية تدريبا بحريا عابرا بنطاق الأسطول الشمالي بالبحر المتوسط، وذلك باشتراك الفرقاطة الشبحية المصرية (تحيا مصر) مع الفرقاطة الشبحية الفرنسية (ACONIT)، ونفذت القوات البحرية المصرية والفرنسية تدريبا بحريا عابرا في نطاق الأسطول الشمالي بالبحر المتوسط. اشتركت فيه الفرقاطة المصرية من الفئة فريم (تحيا مصر)، وغواصة مصرية من الفئة (209/1400)، والفرقاطة الفرنسية (LATOUCHE – TREVILLE).
وتضمن هذا التدريب العديد من الأنشطة، منها تدريبات تأمين وحماية منطقة ذات أهمية ضد خطر الغواصات ليلا، وتدريبات الحرب الإلكترونية، والتدريب على الدفاع ضد التهديدات غير النمطية، وكذلك التدريب على تشكيلات الإبحار المختلفة، وتدريبا بحريا عابرا بنطاق الأسطول الشمالي بالبحر المتوسط، بمشاركة الفرقاطة المصرية (طابا) والفرقاطة الفرنسية (JEAN BART).