محمد الشرقاوي يكتب: المصريون تائهون بين حرية "أصحاب" و"أعزّ" الهوية
السبت، 29 يناير 2022 09:30 م![محمد الشرقاوي يكتب: المصريون تائهون بين حرية "أصحاب" و"أعزّ" الهوية محمد الشرقاوي يكتب: المصريون تائهون بين حرية "أصحاب" و"أعزّ" الهوية](https://img.soutalomma.com/Large/20220129050518518.jpg)
ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي الآن أشبه بصراع ثقافات وأجيال.. وحروب تعتمد على عدم المواجهة
تحت كلمة حرية الفن، يظن البعض أن كل شيء متاح، درجة أن يتمادى أحدهم إلى النيل من الثوابت والمعتقدات تحت إطار الحرية، فيتطاول على النصوص ويخالف الفطرة حتى لو تعارض ذلك مع مجتمعه وقومه.
تحت إطار الحرية صار اللواط "مثلية" و"العري" أصبح حرية، ولو حاولت أن تصحح الأمور وتضع كل شيء في سياقه الصحيح، ينهال عليك وابل من السباب، بدعوى الحرية أيضاً.
البعض يظن أنّي أخرج الأمور عن سياقها أو أتمادى في تفسيرها وباللغة العامية "مأفور"، لكن الآن تعامل معك معارضوك ووضعوك في كفتين إما أن تكون منفتحاً عقلاً وجسداً وإما أن تكون جاهلاً تحجر على الناس أمورهم ويتهمونك بالجنون.
ولو قولت لهم تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، قالوا "لك دينك ولنا ديننا لا حجة بيننا وبينكم".. الأمر بالفعل حدث حول نسخة عربية من فيلم يسمى "أصحاب ولا أعز" من إنتاج شركة نتفيلكس وهي شركة ترفيهية أمريكية، يبرر المثيلة والخيانة.
الفيلم هو النسخة العربية من الفيلم الإيطالي الشهير Perfect Strangers، الذي حقق رقما قياسيا في عدد مرات النسخ التي قدمت حول العالم بإجمالي 18 نسخة، لتصبح هذه النسخة رقم 19، وهو من بطولة منى زكي وإياد نصار وعادل كرم ونادين لبكي ودايموند عبود وجورج خباز، ومن إخراج وسام سميرة.
الفيلم أحدث انقساماً كبيراً في الشارع المصري، بين داعم ورافض، بين حاجر على الحريات ومتهاون في أمور دينه.. اعذرني عزيزي القارئ فأنا أرى الداعم لمثل هذه الأمور متهاون ومتغافل ولا يعلم عن دينه شيء.
اختلف معي قدر ما تختلف، ولكن أربأ أن يجعلني الله فيمن ينطبق "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ۚ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ۖ ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ۗ وما الله بغافل عما تعملون".
لا ضير أن تشاهد ما تريد لكن ليس من حقك أن تروج ما تريد.. القاعدة هكذا أوضح، لكن أن يصل بك الحال أن تروج للمثلية مدعياً أنها مرض وليست إثماً عظيماً نسف الله على إثره الأرض بقوم لوط، لأنه منافي لصحيح الفطرة ويهدد الطبيعة ودوام الجنس البشري.
هنا لا توجد قاعدة "أقف على مسافة واحدة"، بل إما هذا أو هذا، فإن كنت من المروجين، صرت ضارباً عرض الحائط بحديث القرآن الكريم عن المثلية الجنسية أو الشذوذ الجنسي، قال تعالى: (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين) الأعراف: 80، وقال: (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون) النمل: 54، وهي نفس تسمية الزنا، فقال تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) الإسراء: 32. فادعاء دعاة المثلية بأن فعل قوم لوط كان غير المثلية الجنسية، فهو تحريف لصريح الآيات البينة في تسمية الفعل بالفاحشة.
من فضلك انتظر قليلاً وأنت تحاول التبرير لمثل هذه الفواحش، كي يراك الناس منفتحاً ومناصراً، بل أنت في الأصل مدعيّا، تستحل الحرام وتناصر الشواذ.
قد يكون كلامي حاداً ولكن ماذا لو تأخرت خطوة واحدة ونظرت لحالة الصراع على السوشيال ميديا بين المصريين، بسبب فيلم يدس السم في العسل، ينشر الفيروس، أنتجته شبكة معروف توجهها، تدعم المثلية والزنا في سياق الفن وإطلاق العنان للذات والجسد بدعوى الحرية.
في الأصل لا توجد مدارس في الأوطان الإسلامية تقول إن الفن للفن بل كل شيء مرده للدين، كل شيء مرده لله ورسوله، كل شيء مرده إلى العرف المجتمعي بما لا يخالف صحيح النص ولا الفطرة الإنسانية.
سيقول أحدكم: "هو احنا في جامع ده عمال يخطب"، مع أنك أعطيت نفسك الحق أن تكتب لابساً "لباس" الحرية وخالعاً رداء الدين، لتصبح الواد اللي مفيش منه.
أخي في الوطن وفي الإنسانية، إن المثلية ليست من الفن الهادف، ولا يوجد دين يدعو للمثلية أو العري أو الفجور أو الخيانة.
قد تجد لنفسك مبرراً بأن الفيلم ليس مصرياً، ولكن يا صاحب لباس التنوير، أليس الفن كما تزعم عابراً للأوطان ولا حدود له؟ أم أنه لا يعبر إلى عقول التنويرين منكم، فلا يدلسها كما يدلس عقول العامة.
ألست تتفق معي على أن الفيلم لم يكن بحاجة إلى طرح المثلية الجنسية التي ظهرت من دون ضرورة درامية، وأنه كان من الواجب عدم نقل النسخ الأجنبية وتقليدها بشكل أعمي، لأن هناك بعض الأمور لا تصلح في مجتمعاتنا، لكي يكون هناك شيء من الإبداع، بدلاً من التقليد الأعمى لـ 18 نسخة أخرى.
أم ستكون كالبغبغاء تقول إن السينما هي انعكاس للواقع، ولكن هل هذا مبرر لإشاعة الفاحشة؟.. بالطبع لا، فقد حذرنا الإسلام من إشاعة الفاحشة بين المسلمين وتتبع عوراتهم، بل أنذر كل إنسان يحب إشاعة الفاحشة، وأن تشيع الفاحشة، يحب فقط، يتمنى، ما فعل شيئاً، ما تكلم، ما أشار، ما غمز، ما لمز، لكنه يتمنى أن تشيع الفاحشة، بأن له عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة.
عزيزي أتعرف أن تبريرك هذا قد يجعلك في مرتبة هؤلاء، أتدري أن حب إشاعة الفاحشة إما أن يكون بالرغبة والتمني، أو من خلال استخدام أسلوب الترويج وهو ما تستخدمه نتفيلكس وغيرها.
أوصل إلى علمك أن هناك آية في القرآن تقول: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
ستجادلني أكثر وتقول وهل الدين له علاقة بالفن؟، وأردك بنعم، فالدين توعية وتربية وأخلاق وتعاون وتقوى، الدين مساعدة المحتاج، تثبيت القلوب على عبادة الله الواحد الأحد، تفكر في خلق السموات والأرض، حفظ الأنساب والأعراض، الدين موسوعة شاملة.
صدقني إن قولت لك إننا الآن نخوض حرب هوية، نخوض محاولات لمسخ الهوية المصرية، بجمالها وروحها وحفظها للحقوق والحريات، نخوض حرباً لمسخ الهوية الدينية، تستهدف الدين الإسلامي والمسيحي على حد سواء.
أتدري أن حروب تغيير الهوية والتي تقوم عليها حروب الجيلين الرابع والخامس من الحروب تعتمد على عدم المواجهة واختيار موضوعات خارجة عن تقاليد مجتمعنا لإثارة الجدل حول موضع كالفيلم محل الحديث وعمل نوع من البلبلة لتحقيق غرض مادي وهدف معنوي.
أتدري أن هذا النوع هو خروج عن المألوف وحرب معلنة باستخدام القوى الناعمة، مثل الفن، لكونه أبسط وأسرع وسيلة لانتشار أي شيء.
إن ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي الآن هو أشبه بصراع ثقافات وأجيال بل إن شئت فقل حضارات.