مصر تجدد علاقاتها بالنمور الآسيوية.. زيارة رئيس كوريا الجنوبية الأولى من نوعها بعد 16 عاما
الخميس، 20 يناير 2022 10:00 م
استقبل اليوم الخميس الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس كوريا الجنوبية مون جيه في زيادة تعد هي الأهم لتطوير العلاقات المصرية الآسيوية بعد انقطاع لفترة طويلة اثرت بشكل كبير علي طبيعة العلاقة المصرية وكوريا الجنوبية، وتأتي الزيارة في ظل التغيرات التي يجريها الرئيس في ملف العلاقات المصرية الخارجية ومدى النجاحات التي حققتها القيادة السياسية في ملفات شائكة تحوم بها الصراعات والخلافات الداخلية، عبر آليات دبلوماسية تٌحيل دون الدخول في أنفاق الظلام والخسائر المالية والبشرية.
رؤية دول العالم لمصر اختلفت أيضًا، بسبب ما تشهده من مسيرة تنموية بدأت في جني ثمارها في عدد من المسارات، ما أهلّها إلى أن تُصبح دولة جاذبة للاستثمار، إضافة إلى التوجه إليها للاستفادة من الخبرات المصرية في قطاعات مختلفة، ولعل أبرزها قطاعات الدفاع والمبادرات التنموية التي في مقدمتها "حياة كريمة"، إلى جانب التجربة المصرية في التعامل مع جائحة كورونا التي عانت منها دول العالم لأكثر من عام ونصف حتى الآن مُتسببة في خسائر اقتصادية كبيرة لها.
وانفتحت مصر على دول النمور الآسيوية، وأصبحت الزيارات مُتبادلة بينها، وهذه الدول المُتميزة في قطاعات مختلفة، إضافة إلى تجربتها التنموية السابقة والشبيهة للأوضاع المصرية خلال السنوات الأخيرة.
وأعرب الرئيس السيسي في مؤتمر صحفي جمعه بنظيره الكوري جنوبي مساء اليوم الخميس، عن تطلُع مصر لإحداث طفرة تنموية ضخمة في الأجل القريب على غرار التجربة الكورية الناجحة".
وتأتي زيارة رئيس كوريا الجنوبية مون جيه لمصر لتؤكد مُجددًا على أن الحديث على العلاقات المصرية بمحيطها العربي والعالمي، ليس مُجرد كلام، وإنما هو واقع ملموس؛ فهذه الزيارة الرسمية جاءت بعد 16 عامًا، لم يقُم فيها رئيس هذا النمر الآسيوي بزيارة القاهرة، ليصفها الخبراء والمهتمين بالشؤون الخارجية بـ"التاريخية".
أيضًا أكد الرئيس الكوري الجنوبي في حواره مع جريدة "الأهرام" على تقدير بلاده لدور مصر القيادي والذي تلعبه عالميًا، وأن سول تدعم مصر بقوة في ملف تغير المناخ، وغيرها من مجالات التعاون مثل التكنولوجيا ومشروعات النقل والطرق وتحلية المياه والبتروكيماويات والتعليم.
كما أوضح المجالات التي تهتم بلاده في تعزيز التعاون بها مع مصر مثل مجالات الطاقة المتجددة والصناعات الصديقة للبيئة، مؤكدًا على أن علاقة الشراكة بين سول والقاهرة تستند إلى تعاون شامل وتُمهد إلى توسيع حجم التجارة والاستثمار بينهما، لافتًا إلى أن محورية وأهمية مصر بالنسبة لبلاده تكمُن في أنها تربط بين قارات أوروبا وإفريقيا وآسيا.
كما أشار خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد بقصر الاتحادية، إلى أن زيارته تُعد الزيارة الأولى لقارة أفريقيا بشكل عام، ما يعكس بدوره أن مصر تقود قاطرة التنمية ليس بداخلها فقط وإنما في القارة السمراء ومنطقة الشرق الأوسط.
وقال الرئيس مون جيه ان مصر مصدر الحضارة القديمة ودولة مركزية فى منطقة الشرق الأوسط وافريقيا وتتمتع بميزات تاريخية تتمثل في التعايش بين الماضى والحاضر والمستقبل.
وكان سفير كوريا الجنوبية هونج جين ووك قد أشار في تصريحات صحفية قُبيل وصول "جيه" إلى القاهرة، إلى ان الزيارة هذه تأتي في إطار علاقات مُميزة بين بلاده ومصر، وأيضًا مسيرة الشراكة والتعاون والتي بدأت منذ 2016 على هامش زيارة الرئيس السيسي لكوريا الجنوبية، وأن الرئيس مون جيه جاء لتعزيز هذا التعاون ومتابعة المشروعات القائمة ومناقشة المشروعات المستقبلية بين البلدين.
كما أشار إلى أن مصر لديها دورًا محوريًا في إحلال السلام فى شبه الجزيرة العربية وشبه الجزيرة الكورية حيث علاقتها الجيدة مع كل الدول؛ إضافة إلى الأدوار التى تلعبها أطراف أخري لإحلال السلام وإنهاء المشكلة الكورية. وعن وجود تعاون بين بلاده ومصر في مشروع الضبعة، كشف السفير عن مشاركة هيئة كورية روسية فى بناء المحطة لإنتاج الطاقة النووية، وأن موعد الانتهاء من هذا المشروع مُقرر فى عام 2026 .
وبدأت مسيرة توطيد العلاقات الثنائية بين مصر وكوريا الجنوبية بالأخص منذ زيارة الرئيس السيسي لكوريا الجنوبية في مارس من عام 2016، وشهد الجانبان توقيع عدد من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون في مجالات عديدة أبرزها النقل وتطوير الموانئ والتكنولوجيا والطاقة تُقدر بنحو 3 مليارات دولار، بحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات. وتتميز كوريا الجنوبية في هذه المجالات ولاسيما التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، هذه التكنولوجيا التي أصبحت حجر أساس في مسيرة التنمية وخطط البناء المستقبلية للمجتمعات. ويأتي استقبال وزير الاتصالات المهندس عمرو طلعت لرئيس كوريا الجنوبية لدى وصوله مساء الأربعاء في مطار القاهرة الدولي، ليعكس إلى مدى التعاون في المجال الرقمي بين الجانبين؛ ففي ديسمبر من عام 2020 كان وزير الاتصالات استقبل سفير كوريا الجنوبية، وتناول اللقاء تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الذكاء الاصطناعي وبناء القدرات التكنولوجية وصناعة الالكترونيات وإنشاء مراكز للتميز ولخدمات التعهيد.
تجدُر الإشارة أيضًا إلى أن هذه الزيارة تأتي ضمن جولة شرق أوسطية لـ"جيه"، تتضمن إلى جانب مصر، دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وهو ما يعكس قوة هذا الثلاثي المُتحالف في الشرق الأوسط. ومن قراءة نتائج الزيارات الثلاث يُمكن النظر إلى قوة الشرق الأوسط بقيادة مصر وحلفاءها واختلاف النظرة العالمية لمنطقتنا العربية.
واشتركت الزيارات الثلاث في التأكيد على العلاقات الثنائية ومسيرة التعاون بين كوريا الجنوبية وكل من مصر والسعودية والإمارات، والاهتمام الواضح من الجانب الكوري الجنوبي بمجالات الرعاية الصحية، والدفاع، ومواجهة التغيرات المناخية. والجدير بالذكر أن واردات كوريا الجنوبية من النفط الخام بحسب بيانات رسمية تصل إلى 68% من دول مجلس التعاون الخليجي. هذا وتحتل مصر مكانة عالمية في ملف التغيرات المناخية، وهو ما ينعكس من خلال استضافة مصر لقمة المناخ الـ27 في نوفمبر المقبل بشرم الشيخ، لتليها دولة الإمارات لاستضافة القمة في عام 2023.
وعن أهمية كوريا الجنوبية فهي تنعكس كونها نموذجًا تنمويًا مميزًا في شرق آسيا، يقوم على الابتكار والتكنولوجيا، الأمر الذي أصبح محوريًا في خطط التنمية الاقتصادية لأي دولة. كما أن لها دور إقليمي ودولي في محيطها؛ ففي نوفمبر من العام الماضي عل سبيل المثال، شددت نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان ونظيرها الياباني تاكيو موري، على أهمية التعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا الجنوبية.
من جانبها لفتت وكالة أنباء كيودو اليابانية، أنه خلال اتفاق شيرمان وموري على أن التحالف بين الولايات المتحدة واليابان هو حجر الزاوية للسلام والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادي، فهو يسعى إلى مواجهة التحديات العالمية في القرن الـ 21. أيضًا نجحت الدولة الآسيوية في موازنة مصالحها، مع محاولات لعب دور الوسيط بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، ما عكس دبلوماسية كوريا الجنوبية الهادفة لتعزيز السلام.
مما سبق نرى إن كوريا الجنوبية لاعب دولي رئيسي، من المُهم أن تكون حليفًا للشرق الأوسط والاستفادة من خبراتها في مختلف المجالات، خاصة في ظل تنامي قوة واحترافية النمور الآسيوية في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي الذي أصبح أساسًا للمستقبل.
وتسعى مصر وكوريا الجنوبية إلى إطلاق العديد من المشروعات التنموية خلال الفترة المقبلة خاصة التي تتعلق بالصناعات الخضراء والطاقة المتجددة، هذا واختارت شركات كورية منذ سنوات لمصر كنقطة انطلاق لتصدير منتجاتها لأنحاء العالم، وهي عبارة عن منتجات بتكنولوجيا كورية تُصنع بأياد مصرية. بالإضافة إلى استفادة مصر من الخبراء الكورية الجنوبية في مجالات تطوير السكك الحديدية ومشروعات تحلية مياه البحر والسيارات الكهربائية، إلى جانب التعاون المشترك في مكافحة جائحة كورونا.
وكان حجم التبادل التجاري قد زاد بين البلدين بشكل ملحوظ من زيارة الرئيس السيسي إلى كوريا الجنوبية في عام 2016، ومن المتوقع ازدياد الأرقام التي تحققت على مدار السنوات الماضية بعد هذه زيارة الرئيس الكوري الجنوبي إلى القاهرة.
ولعل هذه الزيارة تأتي مؤكدة أمام العالم على قوة وريادة مصر وعودتها مؤخرًا بفضل ما تشهده من إنجازات في إطار قاطرة تنموية مُستمرة إلى دورها المحوري في الشرق الأوسط، وأيضًا كنقطة التقاء بين قارات العالم تجعل منها واجهة الدول لتحقيق التوازن الدولي والإقليمي.